جحيم وسريالية
قام من رقدته وأطل من نافذة غرفته الصغيرة، على الفضاء الممتد امام ناظريهقلبه يخفق متسارعا/ كأنه على وشك أن يقفز من بين ضلوعه
نفث دخان سيجارته/ تتصارع داخله أمواج القلقلم يكن قلقه بسبب خوف من مستقبل أو ندم على ماض/ كان قلقاً ثابتاً مستمراً.طائر حائر بين الأغصان/ ذلك القلق الذي لازمه/ منذ أن كان في بطن أمه/ قبل ولادتهوقتها كان ما يفصله عن العالم الخارجي مجرد غشاء قاسكان خروجه من رحم أمه إلى العالم الخارجي مبعثا لقلق عميقلازمه طول حياته/ أدرك مبكرا أن هذا قدرهأن يعيش مع هذا القلق الكوني/ ولد مقيدا بقلقه/ ومن ولد زاحفا لا يستطيع أن يطيرقيل له العالم من حولك جحيم/ عليك بالهرب منه/ احتمِ بذاتكعاش سجينا في ذاته/ لم يجد الجحيم من حوله/ بل وجده داخله/كان الجحيم يسكن أعماقهنعم لا يوجد جحيم خارج حدود كيانه الإنسانيقالوا له ودع القلق لتستمتع بالحياة/ قال لا تستقيم الحياة إلا مع القلقفالأموات لا يقلقون!قرر أن يقف وحيدا وألا يتبع القطيعكل ما توصل إليه من استنتاجات بعد عناء طويل/ أن القلق ضروري للحياة وأن العالم من حوله يعوزه النظام والمنطق/ وهو ليس كما أوحى له الآخرونكان العالم صورة سريالية ضخمة/ يستمتع بمشاهدتها/ ولا يمل من التأمل فيهشعوره بأن جحيمه داخله/ أعطى له إحساسا نادرا بالأمانكان يستكشف كل يوم زاوية جديدة من زوايا الجحيمكان يستمتع بجحيم قلقه الداخلي وسريالية العالم من حولهكانت السريالية تحيط به من كل جانبالناس، الشوارع، المدن، المدارس، المصانعوتظهر أكثر وضوحا في أروقة السلطات وشاشات التلفازلم تترك السريالية مكانا إلا وكانت تسكنهيبدو العالم له وكأنه مشهد طويل من مسرحية عبثيةاكتشف أن الجحيم والسريالية مترابطان بحبل خفي/ كالجنين وأمهفهما يكبران معا ويتغذيان من بعضهما البعضفي تلك اللحظة وجد ضالتهأنزل بعضا من الأرق عن كتفيه/ وجد التوازن الذي كان ينشدهالتوازن جعله يقف على الحافة التي تفصل بين العالمينجحيمه الداخلي وسريالية العالم هي الحافة التي تمنحه بعضا من الخفة وبعضا من الثقلعندما يلف الخدر دماغه/ يضحك له العالم/ دائما ما يأخذه الخدر إلى زوايا مظلمة في روحهتنير دربه الطويل