مقلقة هي السيناريوهات التي يفكر فيها نوري المالكي رئيس الوزراء المنتهية ولايته، وهو يحاول أن يقول لأنصاره إن "الأمل موجود" في بقائه بالسلطة، رغم أنه يجرب العزلة الأقسى في حياته، محلياً ودولياً، بعد الإجماع النادر الذي حظي به رئيس الوزراء المكلف حيدر العبادي، البغدادي الموصوف بأنه "سليل أسرة تكنوقراط، معروف بالمرونة، ويمتلك مهارات حوار وتفاوض".

Ad

لكن لم يبق لدى المالكي الكثير ليفعله، كما يقول المقربون منه، خصوصاً بعد صدور بيان واضح من المرشد الإيراني يدعم العبادي ضد المالكي، إذ يعني ذلك تحييد كل الميليشيات الشيعية المنتشرة في بغداد، والتي يراهن المالكي على استخدامها ضد خصومه.

ولم يعد في وسع المالكي التحكم في جيش كبير، إذ إن الولايات المتحدة "تصرفت وفق تدبير دقيق"، كما يعبر ضابط كبير تحدث لـ"الجريدة"، شرط عدم كشف هويته. فهناك كما يقول جيمس جيفري، سفير أميركا السابق في العراق، نحو 600 ضابط أميركي يعملون كمستشارين مع الجيش العراقي منذ نحو شهرين، للمساعدة في حماية بغداد من خطر داعش، وفي هذه اللحظة تحول هؤلاء إلى حلقة ارتباط بين واشنطن وضباط الجيش العراقي، واطمأنوا إلى أن المؤسسة العسكرية لن تتدخل في الصراع بين المالكي وخصومه.

ولم يعد في وسع المالكي إقناع المحكمة الاتحادية بأنه الكتلة النيابية الأكبر، كما كان يراهن، لأن كتلته باختصار "تبخرت"، ومن أصل ١٠٣ نواب لم يظهر إلى جانب المالكي، في المؤتمر الصحافي المعترض قبل ثلاثة أيام، سوى ٢٨ شخصاً، بعضهم ليسوا نواباً في البرلمان.

أما الأخطر من ذلك على أحلام المالكي فهو أن كل القيادات الكبيرة في حزب الدعوة يدعمون العبادي، واتخذوا هم قرار الانفصال عن أمينهم العام رئيس الوزراء السابق، بعد أن فاتحهم بأنه سيصطدم بكل الأطراف للتشبث بمنصبه، فلم يستطع الحزب أن يذهب نحو انتحار سياسي كهذا، وحزم أمره وتخلى عن زعيمه.

هذه هي الحكاية باختصار، ولم يعد مهماً كثيراً كيف ستنتهي، لأنها انتهت عملياً، كما يردد كل الساسة والدبلوماسيين الأجانب في بغداد. وغادر المالكي الحياة السياسية إلى الأبد، لكن الأسئلة الآن تتجه إلى حزب الدعوة نفسه، الذي حصل على رابع حكومة له منذ 2003، (حكومة لإبراهيم الجعفري دامت سنة، وحكومتان للمالكي دامتا ٨ أعوام، وحكومة العبادي قيد التشكيل)، فالجميع يسأل الآن: ما هي لحظة الحزب الحالية، وماذا تمثل قوته الآن؟

ويرجح المراقبون أن الحزب اليوم يعود إلى "بيت الطاعة" الشيعي، معلناً الندم على سياسات زعيمه الرافضة الإنصات للنصائح، ما أدى إلى توريط البلاد في الهزائم، إذ يسلمها اليوم و40 في المئة من مساحتها بيد "داعش"، الذي يدق أبواب بغداد في الوسط، وأربيل في الشمال، ويبعد عن حدود إيران 20 كم فقط، ويزيل الحدود مع سورية.

ولذلك فإن ما حصل أعاد إنتاج حزب الدعوة، في صيغة بلا غرور، أو في صيغة شعور بالذنب، ستتيح للأطراف الشيعية تكبيل العبادي بنائب رئيس وزراء قوي، قد يكون أحمد الجلبي، المدعوم من مقتدى الصدر، أو رجلاً من طرازه بمهارات تفاوضية عالية وعلاقات دولية متميزة، وقدرة على التطبيع مع الجوار العربي وتركيا، وموازنة الدور الإيراني.

أخيراً، فإن أكثر من سياسي شيعي يشعر بالسعادة اليوم، زاعماً أن السيناريو الذي جرى "لم يكن مقبولاً من الإيرانيين"، لذلك تأخرت طهران يوماً كاملاً حتى أعلنت ترحيبها، كما أن حليفيها القريبين هادي العامري وزير النقل، وخضير الخزاعي نائب رئيس الجمهورية السابق، غابا عن الإجماع الشيعي، كما غابا في الوقت نفسه عن الداعمين القلائل للمالكي.

يقول هؤلاء: إنها أول مرة يمرر فيها الشيعة صفقة خطيرة دون لمسات أساسية من جنرال الحرس الثوري قاسم سليماني، الذي يشعر بالغضب كما يقال. التسويات الكبيرة التي ينتظرها فريق العبادي من شأنها أن تكشف المزيد من تفاصيل هذا التحول.