سياسة مصر الخارجية في عهد السيسي

نشر في 11-05-2014 | 00:01
آخر تحديث 11-05-2014 | 00:01
 ياسر عبد العزيز ستكون الانتخابات الرئاسية التي ستشهدها مصر، في الأسبوع الأخير من شهر مايو الجاري، تنافسية بالطبع، لكن المعطيات المتوافرة تشير إلى أن المشير عبدالفتاح السيسي، الرجل القوي القادم من المؤسسة العسكرية، سيحسم نتائجها لمصلحته بفارق مريح.

لقد برهن السيسي على قدرات قيادية واضحة، خلال خدمته المظفرة في القوات المسلحة المصرية، وكان عضواً بارزاً في السلطة التنفيذية من خلال منصبه كنائب لرئيس الوزراء ووزير للدفاع في أكثر من حكومة، ويُعتقد على نطاق واسع أنه يلعب دور القائد الفعلي للبلاد منذ 30 يونيو الفائت، وهو أمر جعل من السهل التعرف إلى مواقفه وطريقته في إدارة شؤون الحكم، خصوصاً المتصلة بالشأن الداخلي، والتي يتعلق معظمها بالبعدين الاستراتيجي والأمني.

لكن طبيعة الدور الذي لعبه السيسي خلال الفترة الماضية، وحرصه على عدم التورط في الافتئات على دوري رئيس الجمهورية، بوصفه صانع السياسة الخارجية الأول حسب الدستور والعرف والخصوصية السياسية المصرية، ووزير الخارجية باعتباره رئيس الدبلوماسية، لم يجعلا من السهل تحليل رؤيته للسياسة الخارجية، واستشراف مسارات العلاقات الدولية والإقليمية للدولة المصرية، بعد انتخابه رئيساً كما هو مرجح.

ثمة مصادر عديدة يمكن من خلالها تحليل تصور السيسي للسياسة الخارجية لبلاده، وبالتالي طريقة إدارته لها خلال رئاسته المتوقعة؛ منها مثلاً البحث الذي أعده أثناء دراسته في كلية الحرب الأميركية، في بنسلفانيا، بين عامي 2005، و2006، تحت عنوان "تأثير الديمقراطية على الشرق الأوسط وتقييم الظروف الاستراتيجية في المنطقة".

وهناك أيضاً جملة الحوارات والتصريحات التي أدلى بها منذ 30 يونيو الفائت، وتحركاته ولقاءاته السياسية الخارجية طيلة الشهور الـ11 الماضية، وأخيراً... الحوار الذي أجراه الأسبوع الماضي مع الإعلاميين المصريين البارزين إبراهيم عيسى ولميس الحديدي.

وبتحليل المعطيات المتوافرة عن تصورات السيسي للسياسة الخارجية لمصر، سيمكننا التوصل إلى ما يلي:

أولاً: ستكون السعودية والإمارات، وبدرجة أقل الكويت، الدول الأقرب إلى مصر على الصعيدين الإقليمي والدولي، وستتطور العلاقات مع تلك البلدان الثلاثة تطوراً كبيراً، بحيث يمكن أن تتعدى كونها تعبيراً عن "تحالف استراتيجي" إلى أن تشكل ما يمكن اعتباره "محوراً استراتيجياً".

ظهرت الإشارات إلى ذلك واضحة في حجم المساعدات التي منحتها تلك الدول إلى مصر في أعقاب 30 يونيو، وهي مساعدات قدّرها السيسي نفسه بما يزيد على 20 مليار دولار، فضلاً عن الدعم السياسي الواسع، الذي بذلته السعودية والإمارات تحديداً.

كما ظهرت أيضاً في حديث السيسي عن العاهل السعودي الملك عبدالله، الذي وصفه بأنه "حكيم العرب، ورجل العرب"، وعن الشيخ زايد، الذي اعتبر أنه "لم يمت"، بعدما أشاد بالشيخين خليفة ومحمد بن زايد، إضافة إلى دعوته المبطنة لشعبي الدولتين لـ"حماية بلديهما"، عبر الالتفاف حول القيادتين السعودية والإماراتية، ومقاومة "أصحاب الشر"، في إشارة إلى تنظيم "الإخوان".

وحينما سئل السيسي، خلال الحوار المشار إليه، عن الدولة الأولى التي سيقوم بزيارتها، في حال انتخابه رئيساً، قال بلا تردد: السعودية، مما يشير إلى المكانة التي ستتمتع بها الرياض في السياسة الخارجية المصرية المستقبلية بوضوح.

ثانياً: تشير تطورات العلاقات المصرية مع كل من قطر وتركيا إلى أن الدولتين تشكلان ما سيمكن اعتباره، من الرئيس "المتوقع" عبدالفتاح السيسي، "محور الشر الإقليمي".

لقد تم سحب السفيرين المصريين من الدوحة وأنقرة، في أعقاب المواقف القطرية والتركية المنددة بسياسات الدولة المصرية في فترة ما بعد 30 يونيو 2013، ودعم البلدين الظاهر لتنظيم "الإخوان"، كما شهدت علاقات القاهرة بالعاصمتين حملات إعلامية حادة متبادلة.

وحينما سئل السيسي عن قطر، في الحوار المشار إليه، قال بوضوح للحكومة القطرية: "لا تخسروا الشعب المصري أكثر من ذلك... المصريون لم تحزنهم تصرفات أحد باستثناء قطر"، وبخصوص تركيا، فقد تحدث عن سوء حالة العلاقات، لكنه فرّق بين الشعب التركي وحكومته، التي ألقى اللوم عليها في تدهور العلاقات.

ثالثاً: يعكس تحليل البحث الذي قدمه السيسي خلال دراسته في كلية الحرب الأميركية، قبل نحو تسع سنوات، قدراً من الحذر وعدم الثقة في سياسات واشنطن تجاه منطقة الشرق الأوسط. وإضافة إلى ذلك، فقد كانت العلاقات الأميركية- المصرية متوترة طيلة الشهور الـ11 في أعقاب 30 يونيو، ووصلت الأمور إلى حد تجميد المعونة العسكرية لمصر، وإيقاف تسليم معدات عسكرية ضرورية للجيش المصري من جانب الإدارة الأميركية.

يؤمن السيسي بضرورة صيانة العلاقات المصرية- الأميركية بكل تأكيد، وسيسعى إلى تطويرها، في إطار المحافظة على التحالف القائم بين البلدين راهناً، لكنه لن يفرط في تقديم التنازلات، وسيتحسب لأي طرح أو سياسة مقترحة من واشنطن بشأن مصر أو الإقليم، وسيعمد إلى موازنة العلاقات المصرية بالقوى المؤثرة في العالم، خصوصاً روسيا والصين، دون أن يغامر بتوتير العلاقات مع واشنطن، أو يخاطر بالتلويح بتجميدها أو قطعها.

رابعاً: لقد تم رفع صور السيسي إلى جانب بوتين في التظاهرات عشية إطاحة مرسي، في إشارة واضحة إلى احتجاج المتظاهرين على ما اعتبروه دعماً أميركياً لتنظيم "الإخوان"، وضغطاً على جيشهم الوطني. وكان هذا المشهد بمنزلة إشارة إلى ضرورة تطوير العلاقات مع موسكو، واستعادة أمجادها التي كانت عليها في العهد الناصري، وصولاً إلى حرب أكتوبر 1973.

كانت روسيا على رأس الدول التي رحبت بالتطورات التي شهدتها مصر مع إطاحة حكم "الإخوان"، بعدما عاملت مرسي بفتور طوال فترة رئاسته، وإضافة إلى المساندة السياسية المهمة، فقد كان هناك حديث عن مساعدات روسية عينية وعلمية واستخباراتية، فضلاً عن التقارير عن صفقة سلاح بقيمة ثلاثة مليارات دولار، تمولها السعودية والإمارات.

سيحافظ السيسي على تطوير العلاقات مع موسكو بقدر ما ستسمح به هوامش المناورة في العلاقات المصرية- الأميركية، لكنه سيكون حريصاً على عدم الإيحاء بأن روسيا تأخذ مكان الولايات المتحدة في العلاقات مع مصر.

خامساً: يشعر السيسي بمرارة واضحة من "حماس"، التي يتهمها بلعب أدوار ضد مصلحة الشعب المصري. وقد سئل في حواره الأخير عما إذا كانت "أضرت بمصر"، فأجاب بالسكوت، الذي يمكن أن يفهم منه الإيجاب. سيتعامل السيسي مع "حماس" بصرامة، وسينتظر منها تغيراً إيجابياً في السلوك، وحين يحدث ذلك سيكون حريصاً على إقامة علاقات متوازنة معها، وعلى عدم المساس بمكانة القضية الفلسطينية لدى المصريين عموماً، ورغم أنه سيحاول أن يتفادى توتير العلاقات مع "حماس"، فإنه لن يتسامح مع أي تهديد أمني جدي يأتي عبر الحدود مع غزة.

وفي ما يتعلق بإسرائيل، فيبدو أن السيسي سيكون أبعد خطوة من مبارك، وخطوات واسعة من السادات، لكنه لن يصل أبداً إلى ما وصل إليه عبدالناصر، وسيحافظ رئيس مصر المتوقع على انتظام التعاون الاقتصادي والأمني مع الدولة العبرية، ولن يلجأ إلى أي إجراءات استفزازية حيالها، وسيصون معاهدة السلام معها بالتزام وحرص شديدين، لكنه سيربط أي تطور في العلاقات بتقدم ملموس على صعيد القضية الفلسطينية، وخصوصاً إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس.

سادساً: سيمارس السيسي سياسة خارجية بناءة وحذرة وإيجابية مع كل من السودان وإثيوبيا، وسينطلق من قناعته بأن مصر أهملت عمقها الإفريقي طويلاً، وأن التهديد المترتب على بناء "سد النهضة" الإثيوبي من أكبر الأخطار على الأمن القومي المصري، ولذلك فإنه سيعمد إلى ترطيب العلاقات، وبناء الثقة، وإيجاد حلول عبر التفاوض، لكنه لن يقف مكتوف الأيدي إذا تحول السد إلى وسيلة للإضرار المباشر والجسيم بالمصلحة الوطنية المصرية.

سينطلق السيسي في إدارته للسياسة الخارجية المصرية، في حال انتخابه رئيساً كما هو مرجح، من منطلقات أساسية تتمثل بتشخيص واضح لـ"محور الخير" الخليجي، وحذر وتحسب من "محور الشر" القطري- التركي، دون أن يقطع الأمل في تغيير مواقف هذا الأخير، واستعادة العلاقات الإيجابية مع دولتيه، في حين سيتعامل بشكل أكثر وضوحاً ومباشرة مع سياسات "حماس"، التي يفرض وجودها على الحدود المصرية مخاطر أكبر.

وعلى الصعيد الدولي، سيدير السيسي علاقات متوازنة بكل من الولايات والمتحدة وروسيا، لكنه سيظل يأمل في عودة الدفء إلى العلاقات مع واشنطن، دون أن يخسر الصداقة الحذرة المتدرجة مع موسكو.

* كاتب مصري

back to top