بين الصلاتين ومسجد مول
بين الصلاتين ومسجد مول عنوان كتاب للزميل حمد الحمد، يعيد قراءة فكرنا الديني والمجتمعي في الأوضاع التي تخص الكويت بشكل خاص، ويعيد تفسير وتوضيح كل التغيرات التي طرأت عليها من المنظور الديني والاجتماعي.عنوان الكتاب بصراحة هو الذي دفعني الى قراءته، شدني الربط ما بين الصلاة والمسجد والمول، فتوقعت أن هناك ربطا ما بينها غريب ومثير تبعا للحياة المتغيرة في الكويت، لكن في الحقيقة لم أجد ما تخيلته وما توقعته فيه، ولم أفهم ما هو المقصود بالمعنى بهذا العنوان، هل يعني أن المسجد بشكل أو بحجم المول أو تقدم فيه بعض الخدمات التي توجد في المول؟
بعيدا عن العنوان المحير، المواضيع التي طرحها حمد في الكتاب مهمة، أعادت تفسير مواضيع كثيرة وألقت الضوء على مفاهيم ملتبسة أعاد حمد تفسيرها أو تبيان الاختلاف فيها والخلاف معها بطرح معاصر وجديد، كما أخبرني أن هذا الكتاب بات يُدرس في جامعة أميركية.السؤال المهم الذي طرحه الكتاب هو: هل المسجد في حياتنا كمسلمين يقوم بدوره ويتعايش مع العصر، أم مازال يعيش في عزلة عن الواقع المتحرك بسرعة من حوله؟وكشف حمد عن أسباب تخلف دور المسجد الذي سُحب منه الدور التعليمي القديم بافتتاح المدارس، فما يُدرس فيه بات لا يتوافق مع حاجات المجتمع المتطور الحديث التي تجاوزت أداء الفروض والاستماع إلى خطبة الجمعة الوعظية.الاقتراحات التي طرحها حمد لتطوير أداء دور المسجد في الكويت جيدة جدا، فمثلا اقترح أن يكون هناك لقاء بين المسئولين عن الضاحية السكنية وسكانها تناقش فيه قضاياها الخاصة بها دون عن غيرها من ضواحي الكويت، فكل ضاحية لها قضايا مختلفة عن غيرها، هذه اللقاءات تخلق توعية اجتماعية مهمة، كما تعمل على إيجاد حلول لقضايا المنطقة وقاطنيها بشكل أسرع. كما ناقش الكتاب المحرمات الدينية التي لاءمت زمن غير زمننا المعاصر هذا مثل تحريم غير المحرم، كما بين أن "الدين لم يحدد نظاما سياسيا أو نظاما اقتصاديا محدد، انما بين مبادئ لأنظمة الحكم السياسية وللتعامل المالي والاقتصادي والأخلاقي، وترك للبشر، وفق تغيرات الزمن والظروف الحياتية تحديد الشكل الأفضل المناسب لكل نظام".من المعلومات المهمة التي طرحها الكاتب مقابر الكويت، عددها وأسماءها ومواقعها وجنسيات من دُفن فيها، وطريقة الدفن ونوعية الشواهد وزمن كل مقبرة فيها، ومن هذه المقابر توصل إلى ديمقراطية الكويت التي لا تفرق ولا وتقصي أحدا، فالكل سواسية يدفنون في ذات المقابر التي يُدفن فيها الكويتيون، وبنفس الطريقة سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهود أو من ديانات أخرى، فمقابر الكويت ضمت كل أطياف المجتمع بفئاته المختلفة، وهو الدليل الذي توصل إليه الكاتب لتسامح المجتمع مع الفئات المختلفة عنه وتقبله لتقاليدهم.ومن خلال المقابر ايضا يقودنا حمد إلى التغيرات التي حدثت بسبب هبوب رياح الفكر الديني السلفي والإخواني الذي طال أيضا المقابر فلم تسلم منه، حيث حرموا وضع أو بناء أي مظاهر خاصة تتعدى اللوحة الرخامية أو شاهدة اسم الميت، ومعدا هذين الأمرين باتا من المحرمات، وهذا التشدد جاء مع أواخر سبعينيات في القرن الماضي مع المد الخميني على المنطقة.الظريف في الكتاب هو التقاطات حمد لزوايا يندر الالتفات لها مثل مقابر الكويت وظاهرة اللحى في الكويت وتغيرات الأسماء والزي مثل قصر الدشداشة وإطلاق اللحية التي لم تكن معتادة حتى أواخر سبعينيات القرن الماضي والتي ارتبط وجودها بالمد الديني السلفي والإخواني فأصبحت تغيرا مصاحبا لظهور الحركات السياسية وسلما لمآرب أخرى، كما ربط بين ظاهرة انتشار الحجاب والنقاب ومساحة السماحة الواسعة في المجتمع الكويتي لقبول كل الاختلافات واحترام كل الحريات.كما ربط الكاتب أسماء المواليد وعلاقتها بالثورات مثل اسم جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر، وكذلك أسماء العائلات وارتباطها بأصل منبتها، فمن اسم العائلة تعرف أصل جذره إن كان آتيا من السعودية أو العراق أو إيران، وإن كان سنياً أو شيعياً أو خلاف ذلك، فهذا الاختلاط والتمازج خلق بيئة اجتماعية حيوية.بين صلاتين ومسجد ومول كتاب ضم معلومات وتحليلات جيدة وجديدة، من منظور مختلف، باستثناء عنوانه الذي يلتبس مفهومه على القارئ.