يشرف على «أوج الفن السوري» في «أيام» المديرة الفنية للغاليري «أيام» ميمنة فرحات، والمعرض يسلط الضوء على مدرسة جديدة في الفن السوري نشأت في خضم الانفتاح الفني السابق، رغم تفكك المشهد الفني في دمشق العاصمة.

Ad

يستكشف المعرض الوسائل اللامنتهية التي يستخدمها الفنانين كاستجابة منهم للصراع الراهن في سورية، من خلال طرح كثير من الأعمال المتنوعة التي تعكس طوراً جديداً في الفن المعاصر لبلادهم. كذلك يركز على الفنانين الذين انطلقت تجاربهم عندما بدأ المشهد الفني في دمشق بالتطور، ويعلن عن مساهمتهم في إطلاق الفن السوري بقوة في العقد الماضي، وكيف وصلت به إلى مرحلة سامية حتى قبل بداية الصراع.

وبناء على التيارات الجمالية التي بدأها الفنانون الحداثيون في أواخر الخمسينيات، عمل فنانو المعرض على تحويل التأثر الناجم عن الصراع السوري بكل ما يحمله من رمزية وهجائية وواقعية من خلال أعمالهم التي تحمل تأثيراً خفيفاً من سابقيهم، مثل: لؤي كيالي وفاتح المدرس. أما المعاصرون أمثال مصطفى فتحي وسعد يكن وصفوان داحول، والذين وسعوا معرفتهم من خلال المحفوظات الناتجة من التعبيرية والرمزية والتجريدية، فازدهرت أعمالهم وأهدافهم لتتماشى قدماً مع أسلافهم الذين دعوا جاهدين إلى نشر أهمية الفن الاجتماعية.

اجتمع الفنانون المشاركون للمرة الأولى بشكل جماعي، في مشروع «شباب أيام» الحاضن للفنانين الشباب الذي تأسس عام 2007، والذي شكل لاحقاً (مع فنانين مختارين آخرين)، دائرة متماسكة وأثبت حيويتها وقدرتها على التطور. لكن ما لبث أن تشتت غالبيتهم بين دمشق وبيروت ودبي. واستمر كل من الترك ومجدل البيك وموسى عرابي وسلمان بابتكار أعمالهم المرتبطة بالمواضيع الفنية التي نشأت خلال المرحلة المبكرة من تجمعهم، وأصبحوا من خيرة الفنانين الذين خطوا ملامح جيلهم الفنية. حتى إنهم تخطوا حدود تصوراتهم ووجهات نظرهم الفنية التي شكلت الثقافة البصرية السورية لأكثر من ستين عاماً.

قراءات فلسفية

تتميز أعمال نهاد الترك بأنها متماشية مع القراءات الأدبية والفلسفية والنظرية، وفي بعض تركيباتها تترك أثراً نفسياً عميقاً من خلال تلك المخلوقات المنقوصة التشكل التي يمكن قراءتها على أنها استعارة رسومية لبورتريه شخصي.

وتركز أعماله على الاستكشافات المفاهيمية لقدرة الإنسان على الصبر في خضم الصراعات القائمة بين الخير والشر. ويعمل الترك  في الآونة الأخيرة على استبعاد الألوان الغامضة التي استخدمها سابقاً في لوحاته، وذلك من خلال إدراج أصباغ مشرقة في تشكيل حقوله اللونية الصلبة، ما أدى إلى تقوية شخصياته. ويتماشى الشعور الواضح بالتفاؤل مع هدوء أبطاله، وذلك من خلال المادية الصامدة التي لم تعد مشوهة، فقد هربت في النهاية من ثقل عالمها.

ويعمل عبد الكريم مجدل البيك على أعماله متعددة الوسائط من خلال تحويل المواد غبر التقليدية، مثل الفحم والجص والنشاء والرماد والخيش، إلى وسائط مثيرة من شأنها إعادة إنتاج مظهر الأسطح المشعبة. ومستنداً في تركيب اللوحات على طبقات خام من الغرافيتي والعلامات والشقوق التي من الممكن العثور عليها على الأسطح الظاهرية للأماكن العامة، يسعى مجدل البيك إلى استكشاف المقدرة على فهم الجوانب المقدمة بمثابة محفوظات حول التذبذبات الناشئة في المجتمع على مر الزمان، وقد انعكس اندلاع الصراع في سورية على عمله من خلال زيادة استخدامه التركيبات التي يضيف عليها مواد ملتقطة عمومية مثل الصلبان الصغيرة وشرائح قماشية وسلاسل وبنادق وسكاكين، بهدف تحقيق التواصل مع الظروف المعيشية القاسية الناشئة.

أما لوحات عثمان موسى الأخيرة فتلتقط الصفات الشعرية المغفلة عن الواقعية الدنيوية التي تأخذ بالتقديمات الحياتية المتواضعة. كذلك تداخلت تأثيرات الوضع في سورية في تراكيبه، وجعلته يحول كل ما هو يومي إلى حالة حربية، إذ نجد في أعماله الأخيرة تحول أبسط المواضيع، بما فيها الغذاء، إلى سلاح مثلاً، ما يعكس حضور حالة العنف في معظم التفاصيل الطفيفة في الحياة اليومية. كذلك يستعمل الهجاء في سلسلة أخرى كتشكيل ساخر حول التعليق الاجتماعي ويصورها كأنها عروش الملوك الغائبة وذلك بطريقة عبثية ورموز مجردة من هالتها المعروفة.

ونرى في أعمال مهند عرابي هيمنة تلك الشخصيات الطفولية ولكن ضمن سيناريوهات مختلفة، إذ عكست أعماله السابقة اهتمامه بعفوية الأسلوب والتحرر من الشكل الذي يظهر عندما يبتكر الفن بشكل حدسي من دون اللجوء إلى التوجيهات الثابتة. ومع بداية الانتفاضة السورية والصراع الذي تلاها، تبنى عرابي نهجاً واقعياً في رسم البروتريهات، واستوحى رسوماته من الإعلام الذي يصوغ المشهدية البصرية الخاصة عن الصراع، وذلك من خلال ملصقات الشهداء أو الصور الشخصية في الفيسبوك وغيرها من أنوع التصورات المحسنة والمؤلفة التي شكلت مصدراً مادياً للهيئة العامة التي آل اليها السوريون تحت الحصار والتشرد والمنفى، محاولاً تسجيل جانب من الصراع الذي يكمن وراء الانقسامات الأيديولوجية ونقاط الحوارات السياسية.

أما أعمال قيس سلمان فيستخدم فيها الهجاء لهدم تطبيع الجشع والغرور والتطرف الأيديولوجي التي يميز المرحلة الراهنة. ويسعى جاهداً إلى تصدي ومواجهة مظاهر الفساد الاجتماعية والثقافية. كذلك يستثمر البشاعة والدناءة في تصورات يبرزها من خلال ضربات قاسية من اللون والأشكال المجملة.

 وغدت مواضيع الإرهاب والنزعة الاستهلاكية والتعصب الديني والإمبريالية ولصوصية العصر الرقمي بمثابة مواضيع لتركيب  سلمان عموماً.

يفتتح المعرض في غاليري {أيام} في بيروت ودبي من 9 يونيو حتى 2 أغسطس.