لم يصدق أصحاب الأهواء المذهبية، ومن يدور في دوائرهم ما بقي يقال عن أن المشكلة مع إيران، الخمينية وقبل ذلك الشاهنشاهية، ليست في تشيعها والمغالاة في هذا التشيع، وإنما في نزعتها الفارسية وتطلعها لاستعادة "أمجاد" قديمة لإمبراطورية قديمة كان مآلها الزوال، مثلها مثل كل الإمبراطوريات التي زالت، من الإغريقية إلى الرومانية... وأيضاً العثمانية والصفوية، التي أطلقها صفي الدين الأدربيلي التركي الأذربيجاني، المسؤول عن تشييع أذربيجان، التي ينتمي إلى أتراكها أيضاً مرشد الثورة الحالي علي خامنئي.

Ad

وللمرة الألف فإننا نُذكِّر بأن استقبال أهل السنة، على مستوى الشعوب وبعض حركاتهم وتنظيماتهم وأحزابهم، للثورة الإيرانية في فبراير 1979 كان بمستوى استقبال "الشيعة" وربما أكثر، لأنها أطاحت نظام الشاه محمد رضا بهلوي، الذي كان يعتبر نفسه شرطي هذه المنطقة لحساب الولايات المتحدة، وللاعتقاد بأنها ستقيم دولة بعيدة عن التعصب القومي والنزعات الإمبراطورية الفارسية، تكون لكل مكوناتها القومية والمذهبية.

لكن وللأسف فقد خاب أمل معظم الذين أيدوا هذه الثورة من غير أبناء الطائفة الشيعية الكريمة، عندما بدأ الخميني يتحرش بالدول الخليجية العربية، وعندما لجأ إلى إقامة تحالفات في المنطقة بأبعاد مذهبية، وعندما أظهر إصراراً أكثر من إصرار شاه إيران على أن الجزر العربية الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، هي جزر إيرانية، وأن الخليج نفسه هو خليج فارسي، ودين الدولة التي أقامها هو الإسلام على المذهب الجعفري الاثنى عشري.

ولذلك فإن كثيرين بدأوا يحذرون، حتى بما في ذلك بعض "المراجع" من كبار رجال الدين الشيعة من ذوي الميول والالتزامات القومية العربية، من أن تصرفات هذه الدولة تجاه هذه المنطقة، وتحالفاتها مع بعض مكوناتها المذهبية تدل على أنها تسعى لإحياء إمبراطورية الفرس القديمة، وتعادي معركة "القادسية" وترفضها، وتتطلع إلى توسع في الشرق الأوسط كله على حساب الدول العربية بأفق فارسي لا علاقة له لا بالإسلام ولا حتى بالطائفة الشيعية الكريمة.

لم يصدق كثيرون هذا الذي بقينا نقوله، وبقي يقوله غيرنا رغم أنه ثبت أنه لا ضرورة للبحث عن أثر الذئب والذئب يقف أمامنا مكشراً عن أنيابه، وأن نزعة الدولة الخمينية، رغم اعتمارها العمامة السوداء، نزعة فارسية توسعية وتعصبية وثأرية ضد العرب والعروبة، إلى أن أعلن القائد السابق للحرس الثوري الإيراني والمستشار العسكري الحالي للمرشد الأعلى علي خامنئي الجنرال يحيى رحيم صفوي يوم الخميس الماضي أن حدود بلاده الحقيقية ليست كما هي عليه الآن، بل تنتهي عند شواطئ البحر المتوسط عبر الجنوب اللبناني.

والأخطر أن الفريق يحيى رحيم صفوي قد أكد ضرورة دعم إيران للرئيس بشار الأسد، ودافع عن السياسة التي تتبعها إيران تجاه الأزمة السورية بقوله: "حدودنا الغربية لا تقف عند شلمجة على الحدود العراقية غربي الأهواز، بل تصل إلى لبنان... وهذه هي المرة الثانية التي يبلغ نفوذنا سواحل البحر الأبيض المتوسط"، وذلك في إشارة واضحة إلى حدود الإمبراطوريتين الأخمينية والساسانية الفارسيتين قبل الإسلام، وهنا فإننا نسأل: وبعد كل هذا هل تصدقون أن الشراذم الطائفية التي أُرسلت، والتي لاتزال ترسل إلى سورية من العراق، هي من أجل حماية قبر حِجْر بن عدي، وأن قوات الحرس الثوري الإيراني الموجودة الآن على الأراضي السورية جاءت للدفاع عن مرقد السيدة زينب ابنة فاطمة الزهراء، وعلي بن أبي طالب، وأن ميليشيات حسن نصر الله قد ذهبت إلى دمشق وحمص والقلمون لتحرير فلسطين ومواجهة العدو الصهيوني...؟ هل تصدقون هذا ونحن نسمع من كبار القادة الإيرانيين وبتعليمات من المرشد الأعلى كل هذا الذي نسمعه...؟ والذي هو حقائق يتم تجسيدها في العراق وفي سورية وفي لبنان... وأيضاً في غزة، حيث هناك رأس الجسر الإيراني الآخر الذي أنشأته "حماس" بعد انقلابها الدموي الشهير في عام 2007 على منظمة التحرير و"فتح" والسلطة الوطنية الفلسطينية.