في البداية أعلن تضامني مع من سحبت منهم شهادة الجنسية الكويتية مؤخراً، وذلك لأكثر من سبب، منها أولاً إيماني بأن جنسية الإنسان، وأعني هنا انتماءه إلى بلد ما، لا الشهادة الورقية التي تمنح له من أي جهة رسمية كانت، لا يصح منطقيا إسقاطها، مهما كان جرم هذا الإنسان، وكذلك بالتالي الشهادة الورقية التي تمنح له لتدل على ذلك لأنها حقه الطبيعي.

Ad

أؤمن بهذا بغض النظر عما إذا جاءت هذه الجنسية "بالتأسيس" أو "بالتجنيس"، كما تحرص الشهادات الورقية على التفريق بين المواطنين، وبغض النظر عما تقوله القوانين، وبغض النظر أيضا عن الدول التي تقوم بمثل هذا الفعل كائنة ما كانت، لأن مستندي هو القاعدة الحقوقية الإنسانية التي تعلو فوق هذا كله في قناعتي، وثانيا، لأني أؤمن أيضا بأن المسألة برمتها لا تخلو من "التسييس"، وأنها لم تحصل اليوم إلا كجزء من الصراع السياسي الدائر لا أكثر، مهما سيق لذلك من المسوغات الدستورية والتبريرات القانونية!

وهنا أجدني أمام التساؤل عن مدى دستورية وقانونية انفراد مجلس الوزراء بأحقية القيام بهذه الخطوة؟ وهل ينعدم حق التظلم تحت مظلة القضاء الإداري؟ وإن كان الأمر كذلك، فأين أهل الاختصاص من خبراء الدستور والقانون طوال العقود الماضية منذ ساعة وضع الدستور والقوانين التابعة له عن وجود مثل هذه الثغرة الكارثية التي أعطت مثل هذا الحق للحكومة، دون أي ضمانات عدلية من وقوعها في مستنقع سوء الاستخدام؟!

ومن زاوية نظر أخرى، هذا لو افترضنا جدلا "صحة" سحب الجنسية من شخص ما لجرم اقترفه، وهو الأمر الذي أرفضه تماما كما تقدم، فما ذنب أولاده وما شأنهم بجريمة أبيهم؟ أي عدالة هذه التي يراد لنا أن نقبل فكرة وصول أثر العقوبات فيها إلى من لا ذنب لهم ولا جريرة؟! هذا ظلم كبير ولا شك، والظلم ظلمات.

وما يزيد الأمر مرارة في الحلق أن نجد من أبناء ذات الوطن من راق لهم العزف على أوتار الشماتة بمن تضرروا والتحريض على آخرين ليلحقوا بهم، غافلين أو متغافلين عن أن للزمان دورات، وأن لا أحد في مأمن من الوقوع في مثل هذا الجور، وذاكرة التاريخ مليئة بالأدلة على ذلك.

ما تشمت فريق بفريق في يوم من الأيام إلا ارتد السوط ليلهب ظهره بدوره، وكم رأينا كيف دارت الدوائر على الجميع من الشيعة والسنّة والبدو والحضر من أبناء الوطن وفقا لحركة بوصلة الصراع السياسي، ولم تستثن أحدا، وقد آن لنا أن نتعلم.

نقطة أخيرة، لعلها تتصل بالموضوع، قرأت ما كتبه بعض الزملاء من أنه لا بديل عن عودة المعارضة إلى ساحة ما أسموه "العمل السياسي الرسمي" وذلك بعد لجوء السلطة إلى استخدام ورقة "سحب الجنسية"، وهذا يدعو للاستغراب حقاً، فكيف يمكن الوثوق بممارسة "العمل السياسي الرسمي" في ظل واقع صارت فيه الجنسية ورقة سياسية يهدد بها الخصوم؟!

لا يا سادتي، إن كانت مقاطعة العمل السياسي الرسمي قد وجبت بالأمس، فإنها اليوم أوجب، وما كنا وما زلنا بحاجة إليه حراك شعبي معارض يسير نحو هدف واضح محدد وفق خريطة طريق راشدة واضحة المعالم، حراك نعرف من يرسم ملامحه ويقف في مقدمة صفوفه ويدير مقوده، وهذا هو الأمر الذي كنا وما زلنا نفتقده.