رحبت بطلب الصديق د. إبراهيم عرفات أن أكون محكماً خارجياً ضمن لجنة المناقشة لرسالة ماجستير مقدمة من طالبة بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة في "مؤسسة قطر للتربية والعلوم والتنمية" حول "السياسة العامة للإفتاء في قطر، بين الاستمرارية والتغيير" الدكتور إبراهيم هو المشرف على الرسالة، والدكتور جاسر عودة، الأستاذ بالكلية في برنامج السياسات العامة هو العضو الثالث في هذه اللجنة، الحقيقة أن هذه أول مرة أزور فيها هذه الجامعة التي تضم فروعاً لجامعات عالمية في تخصصات متميزة مثل: كورنيل، وفرجينيا كومنولث، وكارنيغي ميلون، وتكساس، وجورج تاون، ونورث وسترن، واج بي سي- باريس، ويو سي إل قطر وغيرها، إضافة إلى كلية الدراسات الإسلامية.

Ad

 والجامعة بهذا التنوع تقدم أنماطاً من التعليم العالي المتميز وتتيح فرصاً واسعة أمام الطالب للاختيار والتفوق، كانت سعادتي كبيرة بهذه الزيارة والمشاركة، وذلك لأسباب عدة:

 1- لعودتي إلى الميدان الأكاديمي وأمنه النفسي بعد انشغال طويل بالميدان الإعلامي ومزالقه في عالم عربي مشحون بالتوتر.

 2- لرؤيتي ثمار النهضة التعليمية في قطر، وقد تحققت في مخرجات تعليمية استوعبت مهارات حديثة، تحسن التعامل والتفاعل مع معطيات العصر والمد العولمي.

لقد كان "الهم التعليمي"، وعلى امتداد عقد من الزمان، من أولويات القيادة السياسية القطرية، وحظي "تطوير التعليم" بأهمية استثنائية لدى القيادة القطرية، ولا أدل من أن نتذكر تصريح سمو أمير دولة قطر لدى افتتاحه "المدينة التعليمية" في 2002/12/15 قوله "إن هذا الحدث يفوق في أهميته أي مشروع اقتصادي أو صناعي".

 وكذلك تأكيد سموه في افتتاح القمة الخليجية (23) في الدوحة، ضرورة تطبيق مناهج حديثة وأشكال جديدة في التعليم، مع الاهتمام بعلوم العصر والتفوق العلمي وإعطاء المؤسسات التعليمية الاستقلالية، واعتماد معايير عالمية في تقييم المخرجات، هذه السياسات التي بدأت إرهاصاتها تظهر عبر أداء "المجلس الأعلى للتعليم" الذي طرح مبادرة في 2004/3/15 بعنوان "تطوير التعليم العام" إيماناً وقناعة بضرورة مواكبة خطة التحديث التربوي، حتى تكون قطر شريكة فاعلة فيما أصبح يعرف بالنظام التربوي العالمي.

وبطبيعة الحال، في الساحة القطرية، اليوم وبعد أكثر من عقد على تحديث التعليم، جدل ومقارنات بين التعليم القديم والتعليم الجديد، هناك من لا يزال مدافعاً عن التعليم القديم (لول) ومخرجاته، ومع تفهمي لوجهة نظرهم وتقديري لملاحظاتهم التي أراها جديرة بالإفادة والاعتبار، فإنني لا أرى أن نقلل أو نبخس من جهود بذلت، وثمار تحققت، هل هناك من ينكر أو يتجاهل هذه المهارات الجديدة التي اكتسبها أبناؤنا الطلاب والطالبات سواء في التعليم العام أو الجامعي، بعد التطوير؟

طلابنا وطالباتنا اليوم يتقنون العديد من المهارات التي كنا نفتقدها في معظم طلابنا في ظل التعليم القديم، ومن أبرزها: 1- مهارة البحث العلمي. 2- مهارة استخدام اللغات الأجنبية. 3- مهارة الطباعة الإلكترونية. 4- مهارة الحديث والتعبير والإلقاء. 5- مهارة سرعة الرجوع إلى مصادر المعرفة. 6- مهارة استخدام التقنيات الحديثة في عرض المعلومة وشرحها وإيصالها للمتلقين. 7- مهارة التواصل مع العالم العريض والانفتاح على ثقافات العالم. 8- مهارة النقد والتساؤل.

كان هذا الاستطراد، ضرورة تمهيدية لأقرر أن الطالبة الباحثة صاحبة الدراسة، كانت تتمتع بمعظم هذه المهارات، وهي تقدم شرحاً موجزاً لرسالتها أمام اللجنة، أما عن الرسالة فقد تناولت موضوعاً حيوياً هو "الفتيا"، فالفتاوى عامة لها أهمية كبيرة في الحياة اليومية للإنسان المسلم، وهي تشكل مصدراً للتاريخ الاقتصادي والسياسي والاجتماعي للمجتمعات على بيئاتها العربية والإسلامية المختلفة، لذلك كانت مثار اهتمام الباحثين والمؤرخين في المجتمعات كافة، لكنني لم أطلع على دراسة متخصصة في الفتاوى في قطر قبل هذه الدراسة، ولذلك فهي محقة في قولها: إن دراستها هي الأولى في الميدان.

ومن ناحية أخرى، فإن "الفتاوى" تشكل تراثاً فكرياً ثرياً يمتاز به المسلمون، فينبغي دراسته وتحليله والإفادة منه، وهناك اليوم حركة اهتمام في العديد من المجتمعات العربية نحو تجميع هذه الفتاوى وتيسيرها عبر الشبكة الإلكترونية، ما دوافع الباحثة لاختيارها موضوع الفتاوى في قطر؟

يتضح من الرسالة أن هناك العديد من الدوافع التي حفزت الباحثة لاختيار هذا الموضوع، منها: 1- هل هناك سياسة عامة للإفتاء في قطر؟ 2- توجد حالة من السيولة في الفتاوى المتعلقة بالقضايا الاقتصادية خصوصاً "شراء الأسهم" تشكل تضارباً محيراً لدى الفرد العادي ولدى المستثمرين. 3- تمتلك قطر رؤية استراتيجية تنموية واضحة المعالم وبعيدة المدى "رؤية قطر 2030" فهل الحالة الإفتائية في قطر، تعين على دفع عجلة التنمية لتحقيق الرؤية الاستراتيجية؟ 4- إجراء مقارنات بين الفتاوى التقليدية "في الشؤون الاقتصادية" الصادرة من الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود، رحمه الله تعالى، الذي كان رئيساً للمحاكم الشرعية والمفتي الرسمي الوحيد للدولة، والفتاوى الإلكترونية الصادرة من مركز الفتوى بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عبر الشبكة الإسلامية "إسلام ويب" منذ عام 1998م، وهو جهة رسمية إضافة إلى فتاوى الشخصيات غير الرسمية من العلماء والفقهاء الذين ينشرون فتاواهم على مواقعهم الإلكترونية أو الصحف أو عبر "إسلام أون لاين" دون اعتراض من الدولة.

وهكذا تصل الباحثة في الخاتمة إلى استنتاجات واقتراحات من شأنها أن تعين على إيجاد سياسة موحدة معتمدة للإفتاء في قطر، مما يؤدي إلى تذليل الاختلافات والتعارضات بين توجهات السياسة المالية للدولة وتلك الفتاوى التي قد تتضارب أحياناً مع توجهات الدولة.

 تذكر الباحثة مثالاً على ذلك فتقول: يصدر المصرف المركزي تعاميم لتشجيع الاكتتاب في أسهم بنك معين، في حين يصدر بعض الفقهاء بالدولة فتاوى بتحريم الاكتتاب، تقترح الباحثة: وجود نوع من التكامل والتعاون بين الهيئة التشريعية المسؤولة عن السياسة الاقتصادية "المصرف المركزي" والهيئات الرقابية والإدارية مثل هيئة قطر للأسواق المالية، وهيئات الرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية والتأمينات، والعلماء والفقهاء في المجتمع، وغير ذلك من القوى المؤثرة في التشريعات المالية بما يجنب الناس والمستثمرين التناقض والتضارب والضبابية والحيرة، الأمر الذي يساعد على تحقيق رؤية قطر التنموية بإذن الله تعالى.

* كاتب قطري