هل ذهب «الخليجي» مع الريح؟
كنت ومازلت، لا أتعامل بالجدية الكافية مع مجلس التعاون الخليجي، حتى في الاتفاقية الأمنية، لم أتعامل معها على أنها اتفاقية جدية، استناداً إلى دراسة متأنية لسلوك منظومة المجلس، إلا إذا افترضنا أن مجرد استمرار منظمة عربية في الوجود بحد ذاته يعد إنجازاً، قياساً بمحاولات "تفلشت" وذهبت مع الريح كمجلس التعاون العربي أو الاتحاد المغاربي.الخلاف الدائر اليوم، والذي تصاعد إلى درجة سحب سفراء ثلاث دول أعضاء من دولة عضو أخرى، خلاف يجسد حالة الأمر الواقع التي سادت المجلس منذ تأسيسه. الشكل فقط هو الذي اختلف، وكلفة بقاء المجلس ليست كبيرة إذا قورنت بالرغبة في إظهار التماسك الشكلي لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية.
وتتلخص الخلافات الحقيقية في مجملها بالإحساس بعدم الأمان داخل المنظومة، ومشاكل حدودية مزمنة، وتحالفات إقليمية ودولية صارت أكثر أهمية من التماسك الداخلي للمجلس. وينتج عن ذلك بالطبع حالة مفرطة من عدم ثقة دول المجلس بعضها ببعض. ولربما أن ما استدعى الخروج عن المألوف في موقعة "سحب السفراء" هو أن بعض دول الخليج، قررت منفردة لعب دور مؤثر إقليمياً وحتى دولياً، وتجاوزت المسلك الدبلوماسي إلى الدخول في متاهات العنف وتبني منظمات "عنفية"، وتزويدها بالمال والسلاح، بل حتى المشاركة في إسقاط أنظمة عبر مشاركة قوات نظامية، والدخول كطرف في أعمال العنف، له عواقب متنوعة ومتعددة، خاصة إن كانت دول المنظومة، "كل يغني على ليلاه المسلحة". وبالتالي سيتصادم الإخوة وأبناء العمومة والعشيرة عاجلاً، وهذا ما حدث.من العبث البحث عن أسباب بعينها، وهي قد تكون موجودة، والتعويل عليها بأنها أسباب "لموقعة السفراء"، فهي نتائج لحالة عدم اتساق هيكلية شاملة بحاجة إلى إعادة فحص جاد.إن أراد القائمون على المجلس استمراره لإبقاء "الضرورة الشكلية"، فعليهم إعادة النظر في الخوف وعدم الثقة بين دول المجلس وإعادة ترتيب الحدود بشكل "أخوي" عادل، ثم البدء ببرنامج مكثف لإعادة بناء الثقة، ومن ثم البدء بالتحرك جماعياً على الأمن المشترك انطلاقاً من تعزيز وتطوير نظم حكم منفتحة ومرتبطة بالناس، وإلا فإن بقي المجلس أو ذهب مع الريح أو خرجت قطر أو تشكل الاتحاد من ثلاث دول، فإن الأمر لن يعدو عن كونه أرقاماً زائدة أو ناقصة لا فرق، وقد عاش المجلس بهذه الحالة القلقة أكثر من ٣٠ عاماً، ولن يعوقه أن يعيش بنفس الحالة مزيداً من السنين.