إذا كانت كتابة التاريخ تعتمد على إبراز سيرة الأشخاص المؤثرين في صناعة الحدث والتحكم في مجريات القرار، فإن كتابة الرواية تقدم حياة البشر العاديين البسطاء بوصفها صانعة للحدث ولتاريخ المكان والزمان. وهذا ما يجعل كتب التاريخ مادة علمية وبحثية ثقيلة، مع ما يشوبها من أهواء ترتبط بمصالح من يخطّها، ويجعل الرواية مادة ساحرة قادرة على جذب ملايين البشر للدوران في دولابها والتمتع بأحداثها، ومشاركة الشخوص تجارب حياتهم الخاصة.
الدكتور عبدالمالك التميمي، رئيس قسم التاريخ في جامعة الكويت سابقاً، ومستشار تحرير مجلة «عالم الفكر» التي تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وأحد أهم المهتمين بكتابة التاريخ الكويتي والخليجي والعربي، أصدر عن مكتبة آفاق 2013، «رواية واقعية» بعنوان «النهار الطويل.. تجربة شاهد عيان» والتميمي في محاولته الأولى لطرق باب الرواية، يوثق لمحنة الغزو الصدامي للكويت عام 1990، عبر تجربته الشخصية بصفته شاهد عيان عايش أحداث تلك الفترة، متطرقاً إلى مواقف مجموعة من زملائه العرب العاملين في مجال التاريخ، وكيف أن فترة الغزو كانت بمنزلة اختبار حقيقي لمواقف الإنسان.تقدم الرواية تجربة الدكتور عبدالمالك، سواء داخل الكويت في الفترة الأولى، وخارجها بانتقاله إلى قطر لاحقاً، وبما يُعدّ تأريخاً لأحد أهم المنعطفات في التاريخ الحديث ليس للكويت وحدها ولكن لعموم المنطقة العربية. إن اختيار التميمي، وهو أستاذ التاريخ، لكتابة تجربته من خلال جنس الرواية إنما يعبر عن إيمان المؤرخ بقدرة الرواية كجنس أدبي على قول التاريخ بشكل حميمي ومؤثر، ولتشكل القراءة متعة خاصة بالرغم من الوجع الذي يتصل بموضوعها!رواية «النهار الطويل.. تجربة شاهد عيان» تتقاطع مع رواية الشاب خالد النصر الله الأولى «زاجل» الصادرة عن دار نوفابلس 2013، لأنها تقدم شهادة أخرى على تاريخ الكويت الحديث من منظور آخر، وعبر عيون ومشاعر شخصية صحافي كويتي، لعب الغزو الصدامي دوراً بائساً في انفصاله عن حبيبته وزوجته.خالد النصر الله، أحد أهم الوجوه الشبابية التي تعمل بجد لإثبات وجودها الإبداعي على الساحة الكويتية والعربية، وقد بدأ قصاصاً، وحقق نجاحاً ملموساً بمجموعته القصصية «المنصة» الصادرة عن دار الفراشة 2011، وقد انتقل إلى موقع آخر، حين اختار هو وزميله الكاتب عبدالوهاب السيد الدخول في تجربة النشر عبر دار نوفابلس، وما شكّلته هذه الدار من استقطاب لافت لمجموعة كبيرة من الشباب الكويتيين خلال العامين الماضيين. وها هو النصر الله ينجذب إلى عالم الرواية ليقدم تجربته الروائية الأولى «زاجل».الرواية وعبر (206) صفحات تدخل إلى العوالم النفسية لمعاناة شاب مصري «بيشوي» قُدر له أن يوجد في الكويت، في حضن والده الذي كان يعمل حارساً في «شاليه» الصحافي الكويتي، ليتوفى الوالد، وتنتقل رعاية الطفل لصاحب الشاليه، الذي يتمحور عالمه حول القراءة والكتابة فيما يشبه عزلة في شقته الواقعة في منطقة «بنيد القار» المطلة على شارع الخليج العربي، وبحر الكويت.الرواية تتناول شؤون الأسرة الكويتية عبر كشف علاقة الرجل الصحافي بأسرته وكتاباته لمذكرات توثق تاريخ تلك الفترة، وزواجه من فتاة مصرية «هدى»، بالرغم من معارضة أهله. والرواية إذا تسلط الضوء على معاناة بيشوي المؤلمة في تساؤله حول وجوده في الكويت وانتمائه إلى مصر، فهي تؤكد ذلك عبر شخصية «هبة» الفتاة الكويتية من أم مصرية. «زاحل» تجربة روائية كويتية شابة، استخدم كاتبها خالد النصر الله ضمير المخاطب ليكون وسيلته في سرد أحداث روايته، وجاء بالمكان الكويتي ليكون سمة مهمة وحاضرة على امتداد العمل. ومؤكد أنها تشير بوضوح لميلاد روائي كويتي موهوب ننتظر منه الكثير.
توابل
عبدالمالك التميمي وخالد النصرالله!
22-01-2014