لا يستبعد متابعو تشكيل الحكومة اللبنانية عن قرب بروز عراقيل وصعوبات من شأنها إعادة خلط أوراق التفاؤل التي سادت الملف الحكومي خلال الأيام القليلة الماضية، لا سيما بعد ردات فعل «حزب الله» على التفجير الأخير في حارة حريك والاتهامات التي صدرت عن «بيئة» الحزب للمملكة العربية السعودية بالوقوف وراء الانفجار، ولتيار المستقبل بتبرير العمليات الانتحارية التي تستهدف مناطق نفوذ «حزب الله» في الضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع.

Ad

ويرى هؤلاء أن العراقيل التقنية المتمثلة بمسائل المداورة وحجم التمثيل ربما تكون انعكاسا لاعتبارات سياسية محلية وإقليمية متصلة بقرار الأمم المتحدة سحب دعوة إيران للمشاركة في مؤتمر «جنيف 2» في اللحظة الأخيرة، ومواقف المشاركين في المؤتمر من نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

وبحسب الاعتقاد السائد فإن العاملين على تشكيل الحكومة الجديدة يعملون على وقع الأخبار الواردة من جنيف، وبالتالي فإن وضوح الرؤية بشأن الحكومة اللبنانية سيكون في حاجة لنهاية الأسبوع الجاري، في انتظار ما سيؤول اليه مؤتمر «جنيف 2» بين فريق يتوقع أن ينتهي المؤتمر سريعا بخلافات تؤدي إلى تفرق المؤتمرين ورفع الاجتماعات، وآخرين يعتقدون أن الضابط الدولي الأميركي - الروسي - الأوروبي لن يسمح بفرط عقد المؤتمر على نحو يستحيل معه استئنافه لاحقا، وبالتالي فإن المؤتمرين سينهون لقاءهم باتفاق على مجرد المضي في البحث عن اتفاق لم تتوافر ظروفه بعد.

وبرأي المراقبين في لبنان فإن كلتا النهايتين ستنعكسان على الواقع اللبناني وعلى المعطيات المتعلقة بتشكيل الحكومة. فالشروط التقنية يمكن أن تذلل في حال كانت أجواء جنيف إيجابية، كما يمكن أن تنسف مبدأ تشكيل الحكومة في حال انفض مؤتمر جنيف بمواجهة بين ممثلي النظام وممثلي المعارضة المدعومين إقليميا ودوليا بفريقين لم يتوصلا بعد إلى تصور مشترك لإنهاء المواجهات العسكرية على الأراضي السورية.

وعليه، فإن كلا فريقي «8 آذار» و»14 آذار» اللذين يواجهان مشاكل داخلية على علاقة بشروط المشاركة في الحكومة الجديدة يحاولان الاستفادة من عامل الوقت لترتيب بيتهما الداخلي.

فـ»حزب الله» وحركة أمل يبقيان على خطوط التواصل مفتوحة مع التيار الوطني الحر المتمسك بوزاراته الحالية، لا سيما الطاقة والاتصالات وبحكومة من ثلاثين وزيراً على نحو يسمح بتمثيل كل مكونات تكتل التغيير والإصلاح، في انتظار ما سيؤول اليه مؤتمر جنيف من نتائج. فإذا انتهى بما يتطلب من «حزب الله» مواكبة حليفيه السوري والإيراني في التصعيد، ترك للعماد عون حرية رفع سقف شروطه متحججاً بضرورة إرضاء حليفه المسيحي الأقوى. أما إذا انتهى المؤتمر بما يستدعي أجواء من التهدئة فرض الحزب على التيار الوطني الحر ما سبق أن فرضه عليه من سياسة أمر واقع في الدوحة وقبيل تأجيل الانتخابات النيابية الأخيرة.

في المقابل، فإن تيار المستقبل الذي بدا للمرة الأولى منذ سنوات الأقرب إلى حزب الكتائب منه إلى القوات اللبنانية والشخصيات المستقلة في «14 آذار» بالنسبة إلى خيار المشاركة في الحكومة، فيحاول بدوره الاستفادة من عامل الوقت في انتظار ما سيؤول اليه مؤتمر جنيف من انعكاسات على الساحة اللبنانية قبل حسم خياراته النهائية وتحديد الطريقة التي سيعتمدها في التعاطي مع معارضة القوات اللبنانية والشخصيات المسيحية المستقلة لمشاركة «14 آذار» في حكومة جامعة مع «حزب الله».

وتصب توقعات المراقبين، أيا كانت نتائج مؤتمر جنيف، في خانة حتمية اصطدام الحكومة بعيد تأليفها بعقبات الخيارات الإستراتيجية للسياسات الداخلية والخارجية التي ستحول دون تمكن المشاركين فيها من الاتفاق على بيان وزاري يقارب موضوع سلاح «حزب الله»، على نحو يجعلها بحكم المستقيلة بعد شهر على تأليفها.

وإذا كان «حزب الله» يراهن في مقابل تنازله عن الثلث المعطل على إبعاد شبح حكومة الأمر الواقع التي تبعده نهائياً عن مواقع السلطة، والتي سبق لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف أن هددا بتأليفها في حال عدم اتفاق الأطراف السياسيين على حكومة جامعة، فإن مؤيدي المشاركة في الحكومة داخل «قوى 14 آذار» يعتبرون أن انتزاع التنازل الشكلي في هندسة تركيبة الحكومة بدون ثلث معطل للحزب للمرة الأولى منذ سنوات يمكن أن يستتبع بانتزاع تنازل سياسي في المضمون على علاقة بفرض إعلان بعبدا كنواة للبيان الوزاري للحكومة الجديدة. ويرى هؤلاء أنه حتى ولو فشلت «قوى 14 آذار» في تضمين البيان الوزاري إعلان بعبدا فإنها ستكون قد نجحت في إسقاط ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة ولو من دون إيجاد بديل لها، مما سيعتبر نصف انتصار لقوى «14 آذار» ونصف خسارة لـ»حزب الله»، علماً أن «قوى 14 آذار» ستستفيد من نصف الانتصار السياسي لتزيده على الانتصار الشكلي، في حين أن «حزب الله» يتلافى نصف الخسارة السياسية بعد التراجع الشكلي لئلا يشكل ذلك بداية كرة ثلج التراجعات.