تختلف القيادات السياسية اللبنانية على مقاربة ملف انتخابات رئاسة الجمهورية من زاوية المرشحين وآليات مقاربة الاستحقاق الدستوري الأبرز في الحياة السياسية اللبنانية، لكنها تكاد تجمع على أن الاستحقاق في حاجة الى كثير من العناية لتخطيه لاعتبارات محلية وإقليمية معقدة على علاقة بموازين القوى والصراعات التي تشهدها أكثر من ساحة عربية بين المحاور التقليدية منها والمستجدة.

Ad

وتجمع القيادات أيضاً على أن العامل السوري الذي كان تأثيره المباشر على الاستحقاقات الدستورية قد انحسر في السنوات الماضية، عاد الى الانتعاش في شكل ملحوظ إن لم يكن من خلال تفرد القيادة السورية بتسمية المرشح الرئاسي كما في السابق، فعلى الأقل من خلال انعكاس المواجهة الدائرة على الأراضي السورية بين النظام وخصومه المحليين والإقليميين والدوليين، وموازين القوى الميدانية المتغيرة باستمرار الى حد التقلب السريع، على الواقع اللبناني أمنيا وسياسيا وبالتالي دستورياً.

وفي اعتقاد المتابعين عن قرب لمرحلة الانتخابات الرئاسية التي تفتتح رسميا ودستوريا في 25 مارس الجاري أي قبل شهرين من تاريخ نهاية ولاية الرئيس الحالي ميشال سليمان، بحيث يصبح من صلاحية رئيس مجلس النواب نبيه بري دعوة النواب في أي وقت يرتئيه لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، فإن الأمور لن تسير بالسهولة التي يتمناها الكثيرون من اللبنانيين، لاسيما في ظل الأوضاع الأمنية المتشنجة في لبنان، وفي ظل المواجهات المتنقلة بين البقاع وطرابلس وصولا الى بيروت كما حصل بالأمس في منطقة الطريق الجديدة.

ويرى المراقبون ان التفجيرات الأمنية المتنقلة بين المناطق اللبنانية ليست مؤشر رغبة الفاعلين في تمرير الانتخابات الرئاسية وفقا للاعتبارات الدستورية والسياسية، وإنما هي مؤشر على رغبتهم في اللجوء الى الضغط الأمني والعسكري الميداني من أجل فرض شروط سياسية تؤدي الى إيصال رئيس بشروط الأقوى ميدانيا من بين اللاعبين المحليين والإقليميين لا بشروط قواعد اللعبة الديمقراطية.

وفي اعتقاد هؤلاء المراقبين فإن الأمور لا تبدو بالسهولة التي يتصورها كلا الجانبين المتنافسين والمتقاتلين، ذلك أن عمليات الكر والفر الميداني والسياسي على أرض المواجهة في الداخل السوري وعلى طول مناطق واسعة من الحدود اللبنانية السورية وصولا الى عمق طرابلس وبيروت، لا تسمح لأي من الفريقين بفرض شروطه على الانتخابات الرئاسية، ما يفتح الباب أمام خيارين:

1- الأول: تفجير أمني وعسكري داخلي واسع بحجم أحداث "7 أيار" 2008 يدفع بالأمور في واحد من اتجاهين: إما فرض المنتصر لشروطه الرئاسية على المهزوم، وإما تسوية على شاكلة البيان الوزاري لحكومة الرئيس تمام سلام تسمح لكلا الجانبين بادعاء الانتصار السياسي في المعركة الرئاسية.

2- الثاني: مراوحة في الوضع الحالي بين هبات باردة وهبات ساخنة بحيث لا تصل الأمور الى حدود الانفجار الواسع، ولكنها تبقى في حدود التسخين المطلوب عسكريا وأمنيا لإنضاج طبخة سياسية ما، وهو ما سيؤدي الى انتهاء ولاية الرئيس الحالي ميشال سليمان من دون انتخاب رئيس جديد، ما سيدفع بالأمور أيضا في واحد من اتجاهين: إما التمديد لسليمان، وإما الفراغ الرئاسي في انتظار متغيرات جوهرية على الساحة السورية.

ويلفت المراقبون في هذا الإطار الى أن الانتخابات الرئاسية اللبنانية ربما تكون في حاجة الى انتظار المخرج الذي سيعتمد رئاسياً في سورية في يوليو المقبل. ويبدو أن الرئيس السوري بشار الأسد سائر بقوة في اتجاه تنظيم انتخابات رئاسية جديدة للاحتفاظ بموقعه لولاية جديدة من سبع سنوات.

وهناك في لبنان من يعتبر أن الأسد وحلفاءه في حاجة الى انتخابات رئاسية بشروطهم في لبنان تواكب التقدم العسكري الذي يحرزه النظام السوري وحزب الله، في حين أن هناك في المقابل، من يرى أن المواجهة مع سورية وإيران تتطلب في ظل ميل موازين القوى الميدانية على الأرض السورية لمصلحة النظام الى نوع من التوازن الاستراتيجي الذي لا يتحقق إلا من خلال وجود رئيس للجمهورية في لبنان لا يجاري حزب الله والنظام السوري في خياراتهما.