سمر تعرف الضياع في شارع الضباب

نشر في 01-07-2014 | 00:01
آخر تحديث 01-07-2014 | 00:01
تُبدد النزوات الشاذة لحظات السعادة، هكذا يمكن تلخيص قصة حياة سمر، ابنة أخ الوزير المعروف، فهي محدودة الجمال كاد أن يفوتها قطار الزواج إلى الأبد، بعدما توالى هروب العرسان منها، وعندما سنحت الفرصة لها، وهي تكاد تبلغ الثلاثين من عمرها، لم تحافظ عليها رغم أن عمها استغل نفوذه لتأمين ارتباطها برجل أعمال شهير، فإنها تبعت شهواتها فدمرت بيتها، بعدما ضبطها زوجها متلبسة في وضع مخل مع أحد أصدقاء النادي.
قفز اسمها فجأة إلى الأضواء بعدما عرفت قصتها طريقها إلى صفحات الحوادث في الصحف القاهرية، لكن عمها المسؤول البارز، آنذاك، سرعان ما تدخل ليبعد عنها فضول الصحافيين وعدسات المصورين، فقصتها غريبة لافتة تجذب الأنظار وترهف الأسماع، كانت أول امرأة تطلب في المحاكم المصرية مؤخر صداقها مليون جنيه من زوجها السابق رجل الأعمال المعروف، بعد زواج لم يستمر أكثر من ثلاثة أشهر!.. وفجأة... سحبت دعواها... ودفع رجل الأعمال المليون جنيه بعد حل النزاع ودياً... إلا أن عمها صاحب المنصب الرفيع، دفع أيضاً ثمناً غالياً لهذا النزاع... بعدما تلاحقت الأحداث والمفاجآت... في قصة أبطالها ثلاثة: سمر وطليقها وعمها.

لم تعتمد سمر على جمالها المتواضع، فما حرمتها منه الطبيعة في جمال الهيئة عوضته في ذكاء اعترف به كل من تعامل معها، لكنها ظلت تعاني سوء الحظ حتى بلغت الثامنة والعشرين من عمرها، قالوا إن قطار الزواج فاتها عامداً متعمداً، وكانت هي تندب حظها كلما فشل مشروع زواج جديد..

في البداية تدللت وفرضت شروطها، لكنها عادت ورضخت للأمر الواقع وهي في الخامسة والعشرين، إلا أن العرسان الذين وافقت عليهم واحداً تلو الآخر، هربوا في اللحظات الأخيرة، وتبخرت الاتفاقات والوعود، بعضهم كان يلقي لها بالشبكة والهدايا في وجهها طلباً للفرار.

 أشفق عمها صاحب المنصب الكبير عليها بعدما حبست نفسها في حجرتها، وفقدت ثقتها في نفسها وكل من حولها، وضايقته  الحالة التي وصلت إليها ابنة أخيه، الذي مات وتركها له طفلة، فأحسن تربيتها حتى كبرت وتخرجت في الجامعة... الأمر الوحيد الذي كان ينغص عليه حياته، إلحاح زوجته عليه بأن يبحث عن عريس لابنة أخيه قبل أن تنضم إلى قائمة العوانس.

أما الأمر الأكثر صعوبة فكان إحساس زوجته وابنة أخيه معاً بأن سمر ضحية سحر وأعمال سفلية، كان الرجل يخشى أن تلجأ إحداهما إلى المشعوذين والدجالين فتكون فضيحته  {بجلاجل} في صحف المعارضة.. إلا أن لا سمر ولا زوجة عمها لجأتا إلى هذا الحل احتراماً لمنصب الرجل.

لكن الفرج اقترب من بيت الرجل المهم، ففي عيد ميلاد سمر الثامن والعشرين، وبينما كان عمها في مكتبه الفخم  زاره رجل الأعمال محمود الذي يخطئ الكمبيوتر في حساب ثروته،  وشكا له الروتين القاتل وسوء النوايا وتعمد مرؤوسيه عدم إتمام مشروع استثماري مهمّ تقدم به باسم شركته.

وأضاف رجل الأعمال أنه، بعد هذه الزيارة، إما يسحب مشروعه أو يأمر صاحب المنصب الرفيع بتذليل الصعوبات وإبعاد أصحاب النوايا السيئة... والموافقة على البدء بالمشروع، فوراً، لأنه لن يتحمل المزيد من الخسارة مع توقف المشروع كل هذا الوقت.

مخطط زواج

كان صاحب المنصب الرفيع وزير دولة يصغى إلى حديث رجل الأعمال باهتمام بالغ... ومن دون مقدمات لمعت في ذهنه فكرة قرر أن ينفذها في الحال... تظاهر أولاً بأنه يريد التخفيف من حدة الحديث وانفعال رجل الأعمال وبادره قائلاً:

• لا أريدك أن تقلق، فلا توجد أي عقبة أمام اتمام المشروع، سبق أن  اطلعت على دراسة الجدوى الخاصة به، لكن هل تسمح لي بأن أسألك سؤالاً شخصياً، ولو على سبيل المداعبة.

•• اتفضل يا فندم!

• صحف المعارضة تطاردك بأخبار عن حياتك الشخصية وتزعم  أن لك ثلاث زوجات في عصمتك، وأن الرابعة في الطريق، هل هذا صحيح؟

•• كل ما يُكتب عني من أخبار وحملات مجرد أكاذيب ملفقة بغرض رفع أرقام توزيع تلك الصحف، إلا حكاية زواجي من ثلاث نساء، فهذا حقي الشرعي وليس حراماً أو عيباً... أما تفكيري في الزوجة الرابعة فلم يحدث بعد! لكن قد يحدث في أي وقت.

عندما سمع المسؤول الكبير هذا الكلام، انفرجت أساريره، وظهر شبح ابتسامة على وجهه، وقال لرجل الأعمال:  {نفترض أن العروس موجودة الآن، هل تعقد عليها من دون أن تحسب حساباً لثورة زوجاتك الثلاث؟!}، وبمهارة رجل الأعمال، أدرك الأخير أن حديث المسؤول الكبير مرتب ويريد أن يصل بالحوار إلى نقطة ما، وبغريزة الصياد أدرك أنه يستطيع الاستفادة من هذه الفرصة التي يلوّح بها المسؤول الكبير للانتهاء من أوراق المشروع في أسرع وقت، لذلك رد سريعاً:

• هل أمامك هذه العروس يا معالي الوزير؟!

•• انفرجت أسارير صاحب المنصب الكبير بعدما اتجه الحديث بسرعة الصاروخ إلى منطقة مهمة!، وتهلل وجه رجل الأعمال بعدما  شعر بأنه سوف يضرب أكثر من عصفور بحجر واحد... يحصل على الموافقة على مشروعه ويصاهر مسؤولاً من أصحاب النفوذ، ويتزوج امرأة ذات حسب ونسب...

ورغم أن صاحب المنصب الكبير تظاهر بتغيير الموضوع ليختبر مدى جدية رجل الأعمال في إتمام الزيجة الرابعة، فإن الأخير قطع عليه الطريق واختصر المسافات وراح يسأله عن العروس التي يرشحها له... ويرد صاحب المكان بثقة قائلاً:

• هي في مقام ابنتي... تربت في بيتي بعد وفاة والديها... ويبدو أن نصيبك الجميل هو الذي جعلني أرفض كل العرسان الذين تقدموا إليها حتى الآن...

يقاطعه رجل الأعمال:

•• أرجوك... أرجوك أن تأذن لي بزيارتك في المنزل.

وافق صاحب المنصب الرفيع على الزيارة وتعالت الضحكات والقفشات، وإن كان الرجل أجل، بذكاء شديد، توقيعه على إتمام المشروع في هذه الجلسة، وبذكاء أشد لم يناقشه رجل الأعمال في الأمر مرة أخرى، فالطرفان وافقا من دون كلمات على تأجيل تنفيذ المشروع إلى ما بعد ترتيبات الزواج، لذلك لم يتأخر رجل الأعمال في الزيارة، التي جاءت في اليوم التالي مباشرة، تسبقه هدايا خيالية حملتها سيارة رجل الأعمال مع غروب الشمس.

زواج مصلحة

استقبال رائع... حديث يتطرق إلى موضوعات شتى بين الرجلين، تقطعه سمر وهي تدخل ببعض الحلوى... يدعوها عمها للجلوس... يشركها في الحديث... يشتبك الحوار بينها وبين رجل الأعمال... ينسحب العم بهدوء ثم يعود بعد نصف ساعة... تستأذن سمر وتنصرف... وينهض رجل الأعمال إلى المقعد المجاور للعم ويطلب بإلحاح يد سمر، ويصفها بأنها أعظم هدية سوف يحصل عليها من صداقته لعمها! ويفجر العم مفاجأته، وهو يردّ على رجل الأعمال قائلاً:

• أنا شخصياً موافق على الزواج... لكن بشرط لا يمكن التنازل عنه!

وبحماسة شديدة يقاطعه رجل الأعمال:

•• موافق قبل أن أسمعه...

ويستطرد الوزير قائلا... وبمنتهى الجدية:

• لا... أريدك أن تفكر فيه جيداً قبل أن تعلن موافقتك... أنت رجل مزواج لك ثلاث زوجات وقلت لك إن سمر ابنتي، ولا يمكن أن أضحي بها... أخشى أن تغدر بها يوما، فإذا أردت موافقتي اكتب لها مليون جنيه مؤخر صداق مادامت نواياك حسنة... ولأني لم أتعود على بعدها عني لا بد من أن يكون عش الزوجية قريباً من الحي الذي أسكن فيه.

 رغم ضخامة المبلغ لم يتردد رجل الأعمال في الموافقة على مؤخر الصداق، فالمشروع الذي سيوافق عليه العم سيدرّ مكاسب بملايين الجنيهات.. بل وافق رجل الأعمال على شراء الشقة التي رشحتها زوجة العم لتكون عش الزوجية في البناية السكنية المجاورة، وثمنها ستمئة ألف جنيه، نقل ملكيتها في عقد الشراء باسم سمر.

تم الزواج وفقاً للشرط الوحيد لرجل الأعمال... احتفال عائلي بسيط على أضيق نطاق كي لا يتسرب الخبر إلى زوجاته... وانتقلت سمر إلى شقتها التي أثثها رجل الأعمال على أحدث طراز، بعدما اكتملت الفرحة بحصوله على تأشيرة عم زوجته بالبدء بالمشروع الاستثماري فوراً، في زواج مصلحة من الدرجة الأولى.

 الغريب أن رجل الأعمال، خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الزواج، شعر بأن سمر امرأة غير كل النساء وأنها  {قدم السعد} عليه، وتمتلك من الأنوثة كنوزاً تفجرها كنزاً بعد الآخر، وليلة بعد ليلة، حتى صارت زوجاته الثلاث في خبر كان بل قرر بينه وبين نفسه أن تكون سمر هي مسك الختام، ويعتزل على يديها نزواته ومغامراته في عالم النساء... لكنه في الأسبوع الأخير من الشهر الثالث بعد الزواج حدث ما لم يكن في الحسبان، ولم يخطر في بال رجل الأعمال.

خيانة

ويبدو أن سعادة رجل الأعمال بزوجته الجديدة أصابتها عين الحسود أو أن هذه الزيجة المحظوظة كانت تمضي بسرعة نحو النهاية التي حددتها لنفسها... أو تلك التي كتبها القدر.

 ذات يوم كان رجل الأعمال يقود سيارته الفارهة في أحد شوارع الجزيرة في قلب القاهرة، وذهنه غارق في الأرقام والصفقات والحروب التي يشنها ضده المنافسون والحاقدون... وفجأة... تقع عيناه على سيارة زوجته المميزة بالأرقام الثلاثة في مساحة مظلمة من الشارع الهادئ حيث لا إضاءة غير نور القمر! تأمل المشهد وهو يوقف سيارته على الجانب الآخر من الطريق ويفرك عينيه في دهشة... إنها زوجته الجديدة وإلى جوارها شاب يلف ذراعه اليسرى حول كتفها!.. تغلي الدماء في عروق الزوج فيفتح باب سيارته وينطلق نحو سيارة زوجته ويفتح بابها الأيمن بعنف... يجذب الشاب بقوة ثم يسدد له لكمة كأنها الضربة القاضية التي أسقطت الشاب أرضاً في التو واللحظة.

 بينما نزلت الزوجة الشابة وهي تعنف زوجها على أسلوبه الرجعي وظنونه السوداء وسوء خلقه، يقف الشاب النحيف وينفض التراب عن ملابسه، من دون أن يجرؤ على أن يثأر للضربة الموجعة التي تلقاها من رجل الأعمال، تتوقف سيارة أخرى ينزل منها بعض الرجال في محاولة لفض الاشتباك بين الثلاثة الذين لا يعرفونهم، لكن رجل الأعمال ينسحب بسرعة البرق إلى سيارته قبل أن يكتشف الغرباء شخصيته ويعرفون أنه صاحب إحدى أكبر شركات توظيف الأموال في مصر، ويتحول الأمر إلى فضيحة ويتسرّب الخبر إلى زوجاته الثلاث!.

بعد ساعات قليلة يتصل وزير الدولة برجل الأعمال ويلومه على تصرفه الطائش في الطريق العام، ويرد رجل الأعمال بانفعال وغضب:

• قبل أن تحدثني وتلومني... من هذا الرجل الذي كان مع ابنة شقيقك في سيارتها... وفي هذا المكان المظلم... ويده قد تسللت خلف شعرها؟!

ويردّ وزير الدولة بهدوء:  {ده صديق من أصدقاء النادي كان يوصلها إلى المنزل لأنك مشغول عنها منذ يومين}.

فوجئ بالزوج المغدور يصرخ قائلاً:  {كيف يكون لزوجتي صديق... ألست متزوجاً من ثلاث نساء لا يرى خيالهن أي رجل؟ أهذا منطق توافق عليه... هل يرضيك أن تكون زوجتك مع رجل غريب في مكان مظلم بحجة أنه صديق النادي؟!

• يا أخي متبقاش متعصب!

•• يا معالي الوزير... سوف أتولى أنا تربية زوجتي وأرجوك ابتعد أنت عن هذا الموضوع.

أغلق رجل الأعمال الخط في عجالة بعدما تملكه القرف، ومن دون أن يفكر في رد فعل وزير الدولة، خصوصاً أن إجراءات المشروع الاستثماري انتهت وبدأ بالفعل يخرج إلى النور... قرر أن يؤدب زوجته بطريقته... ذهب إلى شقته... لكنه فوجئ بوزير الدولة هناك وقد أعلن حمايته لابنة أخيه... تماسك رجل الأعمال وبمنتهى الهدوء والثقة ألقى بيمين الطلاق على زوجته ثم غادر المنزل وهو يبصق على بابه، متعمداً أن يفهم وزير الدولة أنه بصق عليه هو... لا على الباب.

المؤخر

وصلت ورقة الطلاق إلى الزوجة بأسرع مما تخيلت سمر، حاول الوزير أن يهدئ من روع ابنة أخيه حتى لا يتفاقم الأمر ويخسر الجميع... لكن الزوجة الشابة أصرت على الذهاب إلى المحكمة والمطالبة بمؤخر صداقها... المليون جنيه عداً ونقداً، كما هو محرر في قسيمة الزواج، وتسرب الخبر إلى بعض الصحف، لكن أحداً لم يجرؤ على كتابة اسم الوزير في قصة زواج وطلاق رجل الأعمال الشهير وصاحبة أغلى مؤخر صداق في مصر...

ربما كانت علاقات الوزير الحميمة بالإعلام هي السبب في تجاهل اسمه... وربما كان الخوف من بطشه إذا غضب، كما حدث من قبل، في مناسبات أخرى، هددت مصالح بعض رؤساء تحرير الصحف.

وشعر رجل الأعمال بأن سمعته سيصيبها ضرر بالغ من قضية مؤخر الصداق، وأن المودعين في شركته سيصيبهم الهلع على أموالهم التي يظنون أن صاحب الشركة يبعثرها على حياته الخاصة، فأسرع إلى مقابلة الوزير ليحل النزاع ودياً... وبالفعل توصلا إلى حل سريع... سدد رجل الأعمال شيكاً بمليون جنيه باسم زوجته، وتنازلت هي عن الدعوى في اليوم التالي، ولم تكمل الصحافة فصول القصة المثيرة التي كان لعاب القراء يسيل مع كل سطر منها.

... ويبدو أن جهات رقابية عليا كانت تتابع ما يحدث عن كثب وتقدم تقريرها إلى جهات سيادية، فقد خرج الوزير من الحكومة في أول تشكيل وزاري بعد طلاق ابنة أخيه وقصة مؤخر صداقها التي كانت على لسان أفراد الشعب الكادح.

back to top