الأمومة: خيط الحياة

نشر في 15-04-2014 | 00:01
آخر تحديث 15-04-2014 | 00:01
 سانيا نشتار عقدت كلية "غرين تمبلتون" في جامعة أكسفورد قبل شهرين الندوة السنوية للأسواق الناشئة في إجروف بارك، وكان موضوعها هذا العام "صحة الأم والطفل والتغذية". وكانت الشريحة الأخيرة من العرض الافتتاحي الذي قدمه ستيفن كينيدي زميل كلية "غرين تمبلتون" رسماً كاريكاتورياً يصور متسابقَين شابين يستعدان لبدء السباق: وكان أحدهما قوياً صحيح البدن، في حين كان الآخر هزيلاً مكبلاً يحمل حقيبة من الأمراض ويواجه جدار سوء التغذية الهائل، وكانت الرسالة واضحة: ليس كل الناس يستهلون حياتهم بنفس فرص النجاح. والفكرة ليست مستحدثة بطبيعة الحال، فالتأثيرات التي تخلفها عوامل مثل الفقر وثقافة الأمومة والصحة العامة وظروف السكن على صحة الأطفال- وبالتالي على النتائج الاجتماعية والاقتصادية- موثقة بشكل جيد، والمشكلة هي أن هذه العوامل ليست قابلة للتعديل من خلال تدخلات الصحة العامة المنعزلة، ولكن ثَمة عامل اجتماعي محدِّد آخر لا تتناوله المناقشات بنفس القدر من التوسع- التغذية في مرحلة الأمومة- وقد يكون قابلاً للتعديل. منذ أبقراط، ظل الناس يناقشون كيف تتفاعل "الطبيعة" مع "التنشئة" في تشكيل تطور أي شخص، حتى في الحضارات القديمة كانت التغذية الكافية في مرحلة الأمومة تعتبر ضرورية لضمان بقاء أجيال المستقبل وازدهارها، ولكن الفقر والجهل من الممكن أن يحبطا حتى أفضل النوايا. إن عواقب سوء التغذية في مرحلة الأمومة بعيدة المدى، بما في ذلك ارتفاع معدلات الوفاة بين الأطفال، والعيوب الخلقية، وزيادة فرص التعرض للعدوى، فضلاً عن بعض حالات نقص التغذية المحددة التي قد تحبس الطفل داخل حلقة مفرغة من سوء الصحة في وقت مبكر من حياته، وعلاوة على ذلك، من الممكن أن يؤدي سوء التغذية داخل الرحم إلى زيادة خطر الإصابة بأمراض مزمنة مثل السمنة والسكري وأمراض القلب والشرايين خلال مرحلة البلوغ. ومن الحقائق الكاشفة هنا أن أغلب المشاركين السبعة والأربعين في الندوة- شخصيات نافذة من القطاعين العام والخاص من أنحاء العالم المختلفة- كانوا غير مدركين لحجم تأثير تغذية الأم لرفاهية ذريتها، والواقع أنهم اندهشوا إزاء الأدلة التي تؤكد أن الأطفال الرُضَّع ينمون بنفس الطريقة في أنحاء العالم المختلفة، ما داموا يتلقون نفس الرعاية ولا تقيدهم عوامل بيئية، وهي الأدلة التي تحدت تصوراً منتشراً على نطاق واسع مفاده أن العرق والجنس من بين المحددات الرئيسة لنمو الطفل.

ويعكس هذا فشلاً أساسياً من المجتمع العلمي في نقل بيانات بالغة الأهمية إلى صناع القرار السياسي، والواقع أن رئيس وزراء باكستاني سابق اعترف عند سماعه الأدلة بأنه كان سيمل بشكل أكثر استباقاً في هذا المجال لو تسنى له خلال شغله لمنصبه أن يعرف ما بات يعرفه الآن.

اتفق المشاركون في الاجتماع على الأهمية البالغة لبذل جهود قوية في دعم رعاية ما قبل الحمل في سياق خدمات الأمومة وصحة الطفل، ففي كل الأحوال، إذا كانت الأم الحاصلة على تغذية كافية تقدم لنسلها فوائد صحية بالغة الأهمية طيلة حياتهم، فبوسعنا أن نعتبر النساء وصيات على صحة أجيال المستقبل.

وتتضح أهمية هذا الارتباط البيولوجي بين الأجيال بشكل خاص في حالة الأطفال من الإناث، ذلك أن التأثير الذي تخلفه مستويات ومكونات تغذية الأم على الجنين الأنثى يستمر حتى مرحلة البلوغ، عندما تصبح أماً هي أيضاً. ونظراً لقلة عدد العلماء الذين أدركوا مدى إسهام بويضات المرأة في تشكيل آفاق أحفادها، فمن غير المستغرب أن يظل صناع السياسات غافلين إلى حد كبير عن التأثير الطويل الأجل الناتج عن صحة المرأة، ولكن الأدلة واضحة وتتطلب العمل العاجل. والنبأ السار هنا هو أن الحلول موجودة بالفعل، فقد أثبتت التحويلات النقدية المشروطة، والمبادرات التي تعتمد على الرسائل النصية، وبرامج التغذية المدرسية، وخطط تعزيز الأغذية بالفيتامينات، والزعامة المحلية، فعاليتها في تحسين تغذية الأم.

ولابد أن تكون هذه المبادرات مدعومة بالسياسات الكفيلة بتعزيز الخيارات الغذائية الإيجابية، وسيتطلب إلزام صانعي السياسات بتنفيذ مثل هذه السياسات توافر مجموعة جديدة من المهارات التي تستمد الدروس من أنحاء العالم المختلفة، ففي البرازيل، نجح برنامج تلفزيوني عن الدور الذي تلعبه مكملات حمض الفوليك في الوقاية من السِّنسِنّة المشقوقة (عيب خلقي في الأنبوب العصبي لدى حديثي الولادة) في انتزاع اهتمام الساسة على الفور.

وتشكل المبادرات الرامية إلى تعزيز معرفة جمهور الناس بأهمية التغذية أهمية بالغة أيضاً، خصوصاً أنها من الممكن أن تحفز المواطنين للضغط على حكوماتهم لاتخاذ التدابير اللازمة، ومن الممكن لتحقيق هذه الغاية توظيف وسائل الإعلام الترفيهية مثل المسلسلات، التي ظهرت كأدوات مهمة لتمكين النساء في مجتمعات الشرق الأوسط المحافظة. ومن الممكن أن تساعد المحافل مثل ندوة الأسواق الناشئة في سد الفجوة المتزايدة الوضوح بين العلم والسياسة العامة، لكن في غياب الدعم المحلي القوي للتغيير فإن تأثير مثل هذه الاجتماعات سيظل محدوداً، والآن حان الوقت لمطالبة صناع السياسات بالتحرك العاجل الذي طال انتظارنا له.

* مؤسِسة Heartfile.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top