يبدو كل شيء جاهزاً ليبدأ «الاحتياطي الفدرالي» في الانسحاب التدريجي من برنامجه الخاص بالتسهيل الكمي، ربما بحلول مارس على أبعد تقدير. وبعض ردود الفعل على بيانات الوظائف ترى أن البنك قد يبدأ الانسحاب في وقت مبكر هذا الشهر.
هل توصلت الأسواق والاحتياطي الفدرالي في النهاية إلى تفاهم مشترك؟ أم أنهما يُعِدان لجولة أخرى من سوء الفهم والجفوة؟ تستمر آخر الأرقام حول الوظائف الأميركية في أن تكون جيدة وإلى حد ما أفضل من المتوقع، لكن تظل هناك تحفظات مهمة. فالبطالة طويلة الأمد مرتفعة بصورة عنيدة، وهناك احتمال أن تتسبب في تهديد النسيج الاجتماعي. وقد تحسنت الأرقام فقط بسبب انخفاض نسبة المشاركين – وهي النسبة المتدنية من الأميركيين الذين يظهرون في السجلات على أنهم يسعون بصورة نشطة للحصول على عمل. لكن هذه المشاكل معروفة إلى حد كبير ولم تزدد سوءاً خلال الشهر الماضي. والذي حدث هو أن معدل البطالة الرئيس تراجع إلى 7 في المئة للمرة الأولى منذ أزمة عام 2008. وقبل ستة أشهر فقط كانت هذه هي النسبة التي قال عنها بن برنانكي، رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي، إنها ستكون النقطة التي سيبدأ البنك عندها بالانسحاب التدريجي من برنامج التسهيل الكمي، المصمم لتحفيز الاقتصاد. الآن وصلت هذه اللحظة، ومع ذلك لاتزال مشتريات الأصول مستمرة على حالها بمعدل 85 مليار دولار كل شهر. التوظيف في القطاع الخاص ومنذ ذلك الحين تراجع برنانكي عن ذلك الهدف، لكن تظل الحقيقة قائمة، وهي أن سوق الوظائف وصلت لتوها إلى ما كان يعتبر حتى عهد قريب هدفاً مهماً. فضلاً عن ذلك، يبدو التوظيف في القطاع الخاص منسجماً تماماً مع حالات الانتعاش السابقة. وبحسب شركة فاثوم للاستشارات في لندن، تتعرض الأرقام للتشويه بسبب التوظيف في القطاع العام، الذي تراجع في الوقت الذي كان فيه الانتعاش الحالي يتشكل. ومن الممكن أن تبدو صورة الوظائف الأميركية أفضل كثيراً لو أن الحكومة اختارت التقشف، والبنك يعلم ذلك. بالتالي يبدو كل شيء جاهزاً ليبدأ البنك في الانسحاب التدريجي من برنامجه الخاص بالتسهيل الكمي – ربما بحلول مارس على أبعد تقدير. وبعض ردود الفعل على بيانات الوظائف ترى أن البنك ربما يبدأ الانسحاب في وقت مبكر ربما يكون الشهر الحالي. وفي وقت مبكر من هذا العام، حين طرح برنانكي فكرة الانسحاب التدريجي، كان رد فعل الأسواق عنيفاً. وتعرقل تقدم سوق الأسهم الأميركية، في حين أن العوائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل عشر سنوات ارتفعت بصورة تنذر بالخطر. فبعد أن كانت فوق 1.6 في المئة بصعوبة حين بدأ الحديث عن الانسحاب التدريجي، ارتفعت فترة قصيرة إلى 3 في المئة في سبتمبر. انسحاب تدريجي كذلك أدى ارتفاع العوائد إلى حركة قوية للأموال العائدة إلى أميركا، مما أثار حديثا حول حدوث أزمة في الأسواق الناشئة التي تعتمد إلى حد كبير على حركات النقد الأميركية، مثل الهند وإندونيسيا. وتراجعت تلك الأزمة واستأنفت الأسهم الأميركية تقدمها حين فاجأ برنانكي الجميع باختياره عدم الدخول في الانسحاب التدريجي. لكن سوق السندات تحركت بصعوبة يوم الجمعة، بعد أن قامت برحلة قصيرة إلى ما فوق مستوى 2.9 في المئة، عادت السندات لأجل عشر سنوات لتستقر عند نحو 2.86 في المئة. أما مؤشر ستاندار آند بورز 500، الذي تجاوز الآن 1800 نقطة، فهو قريب من مستوياته العليا خلال سنة مذهلة. وعلى نحو ما، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، أقنع مستثمرو الأسهم أنفسهم أن بإمكانهم التعامل مع آثار الانسحاب التدريجي. والسبب في ذلك هو أن الاحتياطي الفدرالي بذل جهوداً حثيثة لتسويق الفكرة القائلة إن تقليص مشتريات الأصول لا يعتبر بمثابة رفع لأسعار الفائدة. ولأسباب فنية، يريد البنك أن يتوقف عن وضع السندات في ميزانيته العمومية. لكن الرئيسة المتوقعة لمجلس البنك، جانيت يلين، تريد أن تفهم تماماً الرسالة التي تقول إن هذا ليس الشيء نفسه مثل رفع أسعار الفائدة. بدلاً من ذلك، تعتزم إبقاء العوائد متدنية من خلال إعطاء إرشاد متقدم يبين بوضوح أن البنك لن يرفع أسعار الفائدة لفترة. لم تستوعب الأسواق هذا التمييز في وقت مبكر من هذا العام، لكنها أخذت الآن على ما يبدو تستوعب الفكرة. ثقة المستهلكين وعن طريق الجمع بين بيانات الوظائف والبيانات القوية التي تشير إلى ثقة المستهلكين، التي ظهرت أيضاً يوم الجمعة، قرر المتداولون أن بإمكانهم النجاة من براثن الانسحاب التدريجي، وأن بيئة النمو الجيد وأسعار الفائدة المتدنية للغاية في انتظارهم. وعلى هذا الأساس هم يشترون الأسهم. كيف يمكن أن تختل الأمور؟ يفترض الجمود الحالي ثقة عالية بقوى الإرشاد المتقدم. معلوم أن البنك يريد البدء بالانسحاب التدريجي، لكنه لا يريد رفع أسعار الفائدة. وحتى يتمكن من تجنب رفع أسعار الفائدة، سيحتاج إلى إرشاد ناجح يحقق آثاره. ولنفترض أن هذا لن يعني الإرشاد المتقدم، المتطرف، الذي لجأ إليه برنانكي في مرحلة معينة، حين وعد بأن أسعار الفائدة ستظل ثابتة لسنتين في المستقبل. لكن هل ينجح إرشاد أقل من ذلك؟ الدليل من بريطانيا، حيث رحب بنك إنكلترا هذا العام بمارك كارني وبسياسة جديدة وصريحة تتألف من الإرشاد المتقدم، ليس مشجعاً. ففي أغسطس كشف المحافظ النقاب عن سلسلة من المعايير لرفع أسعار الفائدة، وهي معايير كان يبدو أنها تستبعد أي رفع لأسعار الفائدة لعدة سنوات مقبلة. ثم تحسن الاقتصاد على نحو أسرع كثيراً من المتوقع. والآن بدأ اقتصاديو السوق يتنبأون بأن زيادات أسعار الفائدة يمكن أن تأتي في السنة المقبلة. تراجع الجنيه الإسترليني وتراجع الجنيه الاسترليني أمام الدولار خلال النصف الأول من العام، على أساس الافتراض القائل إن بنك إنكلترا سيبقي أسعار الفائدة ضعيفة لفترة أطول (أسعار الفائدة الضعيفة تُضعِف العملة في حال تساوي جميع العوامل الأخرى). والجنيه الآن أقوى في مقابل الدولار مما كان عليه الحال قبل سنة. ومفاجأة النمو التي من هذا القبيل، خصوصاً إذا رافقه التضخم، هي أنها ربما تعجل بموعد رفع أسعار الفائدة وتختبر رباطة جأش الأسواق. وفي هذه الأثناء، يشير تراجُع أسعار السلع الأساسية إلى نقص في الطلب في الاقتصاد العالمي. ويمكن أن يعني هذا انكماشا اقتصاديا. لكن بالنسبة للوقت الحاضر، بعد سنة تأرجحت فيها السوق على حافة فراق مهلك بينها وبين الاحتياطي الفدرالي، يبدو أن السوق والبنك يشعران بالارتياح احدهما من الآخر. * فايننشال تايمز
اقتصاد
الانسجام يعود بين «الاحتياطي الفدرالي» والأسواق
13-12-2013