بينما يتابع الكونغرس الجدال بشأن إعادة فتح تحقيق غير نافع بالاعتداء على البعثة الأميركية في بنغازي، اتخذت الأحداث الليبية على أرض الواقع منحىً نحو الأسوأ، فأطلق جنرال ليبي متقاعد كان قد أمضى سنوات في المنفى في شمال فرجينيا، حملة ضد الميليشيات الإسلامية التي تسيطر على أجزاء من بنغازي وطرابلس، وضد البرلمان الوطني أيضاً، ونتيجةً لذلك بدأت ليبيا تنزلق من الفوضى السياسية إلى حرب أهلية شاملة.
خليفة حفتر هو جنرال قومي لديه الجنسية الأميركية، وقد يبدو ظاهرياً خياراً مناسباً بالنسبة إلى الكثيرين في الغرب، إذ تستهدف حملته العسكرية التي سماها "عملية الكرامة" الميليشيات الإسلامية التي أزاحت خلال السنة الماضية القوى العلمانية بعد أن حاولت قيادة ليبيا نحو الديمقراطية غداة سقوط الدكتاتور معمر القذافي، فوجّه حفتر أول ضربة له ضد ميليشيا "أنصار الشريعة" المتمركزة في بنغازي، ويُقال إنها لعبت دوراً محورياً في الاعتداء على البعثة الأميركية في سبتمبر 2012، ويقارن البعض في ليبيا حفتر بالجنرال عبدالفتاح السيسي الذي قاد الانقلاب ضد الحكومة الإسلامية المصرية، وقد عمد منذ ذلك الحين إلى قمع جماعة "الإخوان المسلمين" بشراسة.لكن مثل السيسي، من المستبعد أن يتمكن حفتر من إعادة الاستقرار إلى بلده، فتواجه مختلف القوى التي يقودها، والتي منها أجزاء من السلاح الجوي والقوات البحرية فضلاً عن بعض الميليشيات، معارضة قوية من الميليشيات الإسلامية والمقاتلين المتشددين من مدينة مصراتة التي كانت النقطة المحورية لحركة التمرد ضد نظام القذافي، فبعد أن ساهم حفتر في وصول القذافي إلى السلطة خلال ثورة في عام 1969 ثم شكّل لاحقاً حركة معارِضة بمساعدة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، يبدو أن برنامجه السياسي يقتصر الآن على التخلص من الإسلاميين، ففي الأسبوع الماضي قال حفتر خلال مقابلة مع صحيفة "ذي بوست": "نحن نعتبر أن المواجهة هي الحل".أصبحت ليبيا مركزاً لبعض الجماعات المتطرفة والمرتبطة بتنظيم "القاعدة"، ولا بد من تنفيذ تحرك عسكري على الأرجح للقضاء عليها، لكن لا يمكن القضاء على الحركة السياسية الإسلامية التي تنشط على نطاق محلي أوسع من خلال حملة عسكرية، وذكر تصريح مشترك بين الحكومة الأميركية وحكومات الاتحاد الأوروبي يوم الجمعة: "يجب أن ترتكز العملية التي تقود إلى انتقال السلطة سلمياً على إجماع واسع"، وهذا التصريح يُبعد الغرب عن حركة حفتر، وهي خطوة صائبة، مما يعني رفض استعمال القوة وعرض "تقديم الدعم لإطلاق عملية مصالحة شاملة".من واجب إدارة أوباما وحلفائها أن يقدموا مساعدة مماثلة لليبيا، فبعد أن دعموا حركة الثوار التي أطاحت بالقذافي، سرعان ما ساهموا في وصول ليبيا إلى هذه المرحلة بسبب امتناعهم عن ضمان أمن البلد خلال السنوات الثلاث الماضية... وبدأ الحلفاء الغربيون الآن يدعمون برنامج تدريب محدود نسبياً لمصلحة قوى الأمن الليبية، وقد تتم الإطاحة بتلك المبادرة أيضاً، وسيكون تحديد ما فعلته إدارة أوباما كي تغرق ليبيا في الفوضى موضوعاً يستحق النقاش في تحقيقات الكونغرس، شرط أن يمتنع الجمهوريون عن استعمال نظريات المؤامرة المزيفة بشأن أحداث بنغازي.
مقالات
سحب ليبيا من حافة الحرب الأهلية
29-05-2014