فرانكشتاين لا فرانكنستاين 1-2
قرأت رواية "فرانكشتاين في بغداد" لأحمد سعداوي قبل ليلتين من حصولها على جائزة البوكر العربية لهذا العام. وكنت أتمنى أن تنال الجائزة لأسباب كثيرة ليس من ضمنها ما صرحت به اللجنة المحكمة بأن الروايات المرشحة تجاوزت السرد التقليدي للرواية العربية، فهذا موضوع بحاجة الى مجهود نقدي كبير ومثير.وربما كنت سأقف ضد الرواية أيضا لأسباب تتعلق بجماليات السرد الروائي ومثالب كثيرة انتابت الرواية سنتركها لمقال قادم.
الرواية تستحق البوكر لأن كمية الابداع الذي صهره سعداوي يحتاج فعلا الى التقدير والاحترام. ونجاحه في الابتعاد عن أثر التداخل النصي المخيف مع الرواية التي اقتبس منها الفكرة الرئيسة للرواية يجعلنا نرفع له قبعة الدهشة وهو يخلق خيالا موازيا ومتجافيا مع ماري شيللي صاحبة الرواية الأم.وما يثير الدهشة هو خلق حالات النزاع بين الوهم والواقع لدى القارئ بعيدا عن نمطية ما يحدث على الأرض فعلا في العراق. هو ليس معنيا بطرف ولا منظرا لأحد من أصحاب هذا الصراع ، هو روائي مجرد يقف في زاوية بعيدة ويسلط ذهنه على ما يحدث دون الدخول في أزمة تفسيره أو تحليله أو حتى التصدي له. سأحاول أن أترك التفاصيل النقدية للجزء الثاني من المقال وأركز على ما لفت نظري في الرواية وسأقول إن ما طرحه سعداوي مقصود حتى يثبت العكس. في أكثر من مرة وعبر سياقات مختلفة يختار سعداوي لغة تبدو جديدة على السرد العربي بشكل عام والعراقي بشكل خاص، فالعراق أدبا أكثر حرصا على اللغة العربية ومفرداتها لكن الحالة هنا لها مغزى آخر. سأسطر هنا بعض المفردات الدلالية التى نثرها أحمد سعداوي كمؤلف وليس كراو: كاربت/ مليتري بوليس/ الفاك بودي/ لوندري/ الشباك السلايد/ انترفيو/ تيست ...تيست/ ميك أب. وجميع هذه المفردات انكليزية وليست ضرورية. هي ليست أسماء ماركات ولا مدنا أجنبية ولا هي كلمات لم ينل منها التعريب، والغريب أيضا أن المؤلف استخدم مرادفاتها العربية كسجاد ومكواة في أماكن أخرى. فما أهمية هذه الكلمات في السرد؟تعرض العراق، كما هو معروف، لاحتلال منذ عام 2003 وتم تغيير السلطة الدكتاتورية على يد الجيش الأميركي الذي تحول الى شرطة مدن محاولا خلق توازن طائفي بين الفئات المتقاتلة والقيام بدور مستعمر بالمفهوم القديم للكلمة. تلا ذلك خروج القوات الأميركية من العراق واعتماد الاستعمار الاقتصادي بوسائل ضغط سياسية في محاولة لتطبيق المفهوم الحديث للعولمة. وهو ليس دورا أميركيا جديدا، فكندا على سبيل المثال تعتبر احدى المستعمرات الاقتصادية لأميركا أو كما يسمونها الحديقة الخلفية لأميركا.يعي سعداوي ذلك بذكاء، وهو هنا لا يستعرض لغة ثانية، ولا ينقصه الاختيار اللفظي لاستبدال الكلمات التي طرأت على السرد الروائي وانما يسجل حالة من التأثير المباشر لهذا الاستعمار بنوعيه وما تركه على حياة الناس. ولم تكن الرواية مجالا لطرح ذلك بشكل مباشر فتفقد قيمتها التخييلية التي تم بناؤها وربما كاد يشوهها أحيانا ببعض المباشرة التي وددت لو استغنى عنها تاركا للقارئ كل المساحة في التحليل.ما لم أجده مستساغا وترك هوة عميقة في الاستمتاع القرائي هو اللجوء الى المحلية العميقة واعتمدت على زميل عراقي في شرح بعض المفردات مثل "أخّ الأخّل" وغيرها والتي سنتركها للجزء الثاني من المقال.