وصول "الإخوان المسلمين" إلى السلطة في بعض الدول العربية مع بداية المرحلة الانتقالية التي تلت ثورات "الربيع العربي" لم يكن مفاجئاً لمن يتابع التطورات التي حصلت في المنطقة خلال العقود الأربعة الماضية، وتحديداً منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، فهناك أسباب موضوعية أدت إلى ذلك ذلك. في ذاك الوقت كانت الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في أوج اشتعالها، فاستعانت أميركا بالتيار الديني السنّي من أجل "الجهاد" في أفغانستان لمواجهة النفوذ السوفياتي "الشيوعي" في المنطقة من ناحية ومحاصرة الثورة الإيرانية "الشيعية" من الناحية الأخرى، وهو ما انعكس على موقف الأنظمة العربية الحليفة لأميركا، فقامت بفتح الأبواب على مصراعيها لأنشطة التيارات السياسية الدينية، وفي القلب منها "الإخوان" (أغلب القوى السياسية الدينية "السنّية" الحالية بما في ذلك "القاعدة" خرجت من عباءة "الإخوان")، بينما تم تهميش التيارات الوطنية الديمقراطية والتقدمية ومحاربتها، وهو الأمر الذي كان واضحاً وجلياً في الكويت ومصر أيام السادات.

Ad

دخول التيارات الدينية كطرف في الصراع السياسي الدولي والإقليمي أعطاه بُعداً دينياً فسُمي آنذاك "الصحوة الإسلامية"، حيث كان لـ"الإخوان" والسلف وغيرهم من قوى دينية صولات وجولات في الدعوة "للصحوة" ولمناصرة "الإخوة الأفغان" بالمال والعتاد (هو في الحقيقة وقوف في صف الأميركيين ضد السوفيات)، وهو ما كانت تعبر عنه إعلاميا وبشكل واضح، وقتذاك، مجلة "المجتمع" الصادرة عن "جمعية الإصلاح الاجتماعي" تحت ملف شهير هو "كرامات المجاهدين الأفغان".

من هنا بدأت مرحلة سياسية جديدة في المنطقة تقودها أميركا التي كانت تحاول حينذاك أن تُخضع المنطقة برمتها لسيطرتها ونفوذها، ففتح المجال واسعاً (مع بعض الاستثناءات) أمام التيارات الدينية للنشاط العلني في المجالين السياسي والعام (أعلن السلف بداية الثمانينيات تأييدهم للانتخابات ودخول البرلمان)، بل شاركت بعض هذه التيارات في الحكومة كما حصل في الكويت على سبيل المثال.

لهذا فإن القوة السياسية والتنظيمية التي مكّنت التيارات السياسية الدينية خصوصاً "الإخوان" من الوصول إلى السلطة بعد ثورات "الربيع العربي" مباشرة لم تأتِ من فراغ، بل أتت كنتيجة طبيعية لترتيبات سياسية منذ منتصف السبعينيات مع أنظمة عربية حليفة لأميركا، علاوة على استقرار قيادات "الإخوان" في دول الخليج منذ أواخر الخمسينيات بعد صراعهم مع جمال عبدالناصر. وعلى أي حال، فقد اكتشفت الشعوب العربية حقيقة المشروع السياسي والاقتصادي للتيارات الدينية لا سيما "الإخوان" (منطلقاتهم الاقتصادية لا تختلف عن منطلقات الأنظمة المخلوعة)،  فأزاحتهم عن السلطة في مصر ومنعت انفرادهم بالسلطة في تونس.

لهذا فمن غير المنطقي استمرار استخدام "فزاعة الإخوان" كلما طالبت الشعوب العربية بإصلاحات سياسية وديمقرطية تمكّنها من ممارسة حقها في المشاركة في إدارة الدولة والثروة وحماية حرياتها العامة، مثلما يحصل الآن في دول "مجلس التعاون"، وكأنها شعوب جاهلة لا تعرف مصلحتها إلا الأنظمة القائمة التي تحالفت معها وشجعتها لوقت قريب جداً، ناهينا عن أنه من حق أي طرف سياسي، بما في ذلك التيارات "الإسلامية"، العمل في المجالين السياسي والعام بشرط الالتزام بالقواعد العامة وآليات ممارسة العمل السياسي التي يجب أن تكون محددة وواضحة للجميع، وهو ما ينقصنا في هذه المرحلة التاريخية الحرجة.