الوطن الجاحد
![فوزي كريم](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1498033753948674500/1498033754000/1280x960.jpg)
2. العراقُ يملكُ من الثروة ما تملك دولُ الخليج جميعاً، والنسبةُ الكبرى من أبنائه تحت خطّ الفقر. العراقُ حاضنةُ النخل، أشرفَ الشجر، والنخلُ كبائعة اللبن الرائب معلولٌ، وكبدُه نائح. والعراقُ هبةُ نهرين حلّا فيه من أرض الفردوس الكريمة، ولا سابح ولا أسماك. والعراقُ موطنُ الشعر، وشعراؤه «سِفرُ أيوب»، لن ترى عذابَ «السياب» إلا صفحةً محترقةً من صفحاته. والعراقُ أجحدُ وطنٍ عرفه العرب، وعرفه العالم. والعراقُ يزعم، ويُلحّ في الزعم، عبر مخاضةِ دمائه، بأن العلةَ كامنةٌ في الأصابع الأجنبية. وأنه مُبرّأ من فقرِ فقرائه، ونواحِ نخيله، ووحشةِ نهريْه، ومرارةِ شعرائه. وهو لا يكفُّ دونَ حياء عن نهبِ المالِ الحرام، وأكلِ لحمِ أخيه ميتاً، والطربِ لمغانم هذا السبي العجيب.3. «أثْقلتني الفِتَنْ،فكمْ شَاهدٍ في ثيابي وكمْ قاتلِ لا أسميّهِ، كمْ أتبددْ.وإذْ أترددُ محترساً من رَدَاءةِ طَبْعي ومن تَركاتِ الوطنْ،يدايَ تَهُمّانِ، فيما أرى البحثَ عنْ أصدقاء جُدُدْوعن ألفةٍ يتطلّبُ جُهداً ومعْنى، فتنْطفِئانِ.تَفرّدتُ في كلِّ أسئلتي حولَ معْنَى الوَطَنْفلمْ أرَ في زُرقةِ الأسئلةسِوى قطْعة الثلجِ بَيْضاءَ!آلفتُ، عندَ مَرَاياهُ، وجهاً شبيهاً بوجهي فما يَثِقان. تعاطيتُ حِرفةَ كلِّ الخُمورِ، وكلِّ الطيورِ،وحينَ سمعتُ نداءً يداهِمُني في القَصَائدْطويتُ رصيفايَدي في جيوبي، وفي الشَّجَرِ الطيرُ، والموتُ واحدْ.....صَديقي دَعِ الموجَ يُطفئ ذاكَ الظَّمَأْ.ودعْ كلَّ شَمْسٍ تَعّرفْتَها في ظلامِ المَخَاوفِ توِقدُ ثانيةً ما انْطَفَأ.وَدَعْ نجمةً، سَقَطَتْ عندَ موتِكَ عمياءَ قائمةً في الصدأ،تُعيدُ إلى وطنٍ، لمْ يَعُدْ غيرَ أشلاءَ، هذا السؤالْ:لماذا يُذكّرني نَهْرُ دجلةَ بالموتِ والفَجْرُ بالاعتقالْ؟ودعْ أصدقاءَكَ من غادروكَ إلى النفْي أوْ سَقَطوا في المَكائِدْيُحيطونَ موتَكَ بالاحتفالْ». (من ديوان «عثرات الطائر» 1985)