نتائج جلسة الاستجوابات الأخيرة كانت متوقعة، وما آلت إليه من عبور بعض الوزراء لتلك الموقعة محتفظين بمواقعهم، بينما آخرون ينتظرون دورهم في المساءلة في الأسابيع المقبلة بمحصلة معروفة مسبقاً ستشمل نجاتهم جميعاً وربما أيضاً الوزيرة رولا دشتي من طرح الثقة، بينما تجاوز في نفس الجلسة رئيس الحكومة سمو الشيخ جابر المبارك استجوابه دون أن يتحدث نائب واحد في القاعة مؤيداً لمساءلته النيابية، سيناريو جلسة الثلاثاء الماضي بكل أحداثها كان معلوماً منذ أعلن رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم أن الجلسة ستعقد وستكون "ماراثونية"، وأن الحكومة قررت أن تحضرها وتواجه كل الاستجوابات.

Ad

ولكن غير المعلوم والمحسوب هو كمّ الاستنزاف والخسائر التي لحقت بالكويت كدولة ونظام وديمقراطية وشعب ومستقبل، وحتى كوجود، نتيجةً لتلك الجلسة "الصباحية"، أي التي امتدت حتى الصباح، فكمّ الاستنزاف الذي حدث في الجلسة للقيم والأعراف البرلمانية ولموقع رئيس الحكومة والوزراء كان فادحاً رغم خروج سمو الرئيس والأغلبية الوزارية سالمين، كما أهدر في تلك الجلسة جوهر ميزة النظام الكويتي الذي يميزه عن بقية الأنظمة العربية والمجاورة المتمثل في المعارضة، عندما اختفى صوت المعارضة ولم يوجد نائب واحد في قاعة عبدالله السالم يتحدث مؤيداً لاستجواب رئيس الحكومة في بلد يعج بالمشاكل المزمنة والقضايا المستعصية على الحل، وهي الصورة التي تذكّر بمشهد بعض البرلمانات العربية التي كنا ككويتيين نسخر منها ونعتبرها مسخاً ديمقراطياً!

مَن تابع أحداث تلك الجلسة "الماراثونية" من أرباب الأسر كان يجب عليه أن يذهب بعد نهايتها فجراً ليتفقد وجوه أبنائه أو أحفاده وهم نيام ليتفكر في مصيرهم جميعاً بعد ما شاهده وسمعه فيها من ترهات وسوابق سلبية خطيرة، وهو ما يثبت أنه لا سمو الرئيس ولا سعادة الرئيس ولا النواب الذين صوتوا ولا الذين استجوبوا جميعهم قادرون على المضي بالكويت بهذا النهج، وبتلك الأساليب التي استنزفت البلد، ولا يمكن لأي طرف منهم أن يهنأ بنصر يعتقد أنه حققه على الطرف الآخر، لأنها مكاسب مريرة بطعم علقم سحق مستقبل أجيال، ومرارة معاناة شعب يعايش تخريب وطنه والعبث بمقدراته منذ سنوات.

لذا نناشدكم جميعاً مرة أخرى، وخاصة الطبقة السياسية الحالية، أن تتوقفوا وتراجعوا أنفسكم، فالكويت تستنزف ولا يمكن أن يستمر أسلوب إدارة البلد بهذا الشكل، نعم أنتم قادرون على أن تتجاوزوا كل الاستجوابات وتتبادلوا المواقع والمكاسب وتدعمون من تريدون وتضحون بمن لا تريدون عندما تنتهي مهمته، وتخوضون المواجهات مع الخصوم والأجنحة المضادة، نعم تستطيعون... وتستطيعون... وتستطيعون، ولكن ما الثمن؟ الثمن باهظ، والبلد يتجه إلى مرحلة بالغة الخطورة بعد أن أصبح الصراع بلا سقف ولا خطوط حمراء، والناس في أقصى حالات التململ والغضب والإحباط، فاحذروا ما هو قادم في الأيام المقبلة ولا تستنزفوا الكويت، وخاصة السلطة، بالمزيد من المواجهات العبثية، فالبلد بحاجة إلى قرارات وتغييرات جذرية قبل فوات الأوان!