في حالات سابقة كان المواطن العربي بسيطا أو مثقفا قارئا أو مفكرا يستطيع أن يحلل لك كل معضلة سياسية وفكرية لمجرد أنه قرأ كتبا من هنا وهناك، وفي حالات كثيرة كان صبيا في العشرين من عمره يعتقد أن الله فتح عليه ونصّبه مفتيا في أمور اختلف فيها السابقون وسيختلف فيها اللاحقون وتأتمر بفتاواه جنود في مثل سنه وأقل منه جهلا بقليل لتستبيح الدماء والأموال والأعراض. وفي حالات أخري يستطيع لواء مسؤول عن عدس المعسكرات وارزاق العساكر في أن يحلل جبهات القتال ويتنبأ كيف سيتحطم جيش العدو وقبل أن يكمل حديثه للاعلام تحتل مدننا وتتحطم جيوشنا.

Ad

وهذه حالة عربية لا مثيل لها أساسها الأول والأخير ملكة الكلام، حتى لا أقول اللغو، ولم تتعثر الحالة ويختلط الأمر على القارئ والمفكر والسياسي والعسكري والديني الا في الحالة التي نعيشها اليوم في العالم العربي. الآن فقط وصلنا الى حالة محزنة لأن كل من تسأله ماذا يجري حولنا يرد: لا أعلم! ويبدو أنها الحسنة الوحيدة لهذه الأزمة التي نعيشها.

ولكي نعلم يجب أن نسأل: ما الذي حدث وما الذي يحدث؟

قد ينجح قائد عسكري أرعن في قيادة حرب مدمرة ينتصر فيها لبعض الوقت ثم ينتهي به الأمر الى نهاية كارثية اقتصادية وسياسية. يتكرر ذلك دائما على مدار التاريخ هنا في العالم العربي وهناك في العالم الغربي. وقد ينجح سياسي مؤقتا في رفعة بلده وتجنيبها ويلات سياسية خطرة في عالم متنازع عليه بشكل مقيت وقاتل كما يحدث هنا في العالم العربي وهناك في العالم الغربي. وقد ينجح رجل اقتصاد بتجنيب بلاده منزلقا اقتصاديا عالميا لتحافظ على وضعها الاقتصادي وتتجاوز أزمة عالمية متجاهلا دور السياسي ومهمشا دور العسكري. لا يمكن أن يجتمع هؤلاء الثلاثة في تحقيق عمل متكامل ومدروس اذا لم يكن خلفه رجل مفكر أو أكثر من رجل مفكر لهم مشارب واحدة. وهو ما يحدث فعلا الآن.

المفكر الأميركي كان يعرف أن المفكر العربي لا يقود الجماهير ولم يقنعها ولم تقتنع به، وكان طوال العقود الماضية اما مفكر سلطة أو منزو لا يستمع اليه أحد ولا يهتم به أحد. وتم ترتيب الوطن العربي بطريقة هادئة تغير فيها الساسة والعسكر والاقتصاديون وبقي المفكر وحده يعمل على ما تم بناؤه من أعوام طويلة.

هذه الأسئلة باختصار: تكونت في عام 1991 منطقة آمنة للأكراد في شمال العراق تحولت الى اقليم آمن وتسعي الآن الى الانفصال التام. وكأن المواطن العراقي الكردي في الشمال يختلف عن المواطن العربي في الوسط أو الجنوب دون أن ننتبه أو نجيب على هذا. في عام 2001 تم الهجوم على افغانستان في محاولة لتدمير ما يسمى القاعدة أحيت بها أميركا التعاطف المتطرف مع "عدوها" لتنتج داعش الأكثر تطرفا وتنتقل من كهوف أفغانستان الى سهول العراق مرورا بإيران ولا تفكر أميركا في القضاء عليها وهي أهداف أكثر سهولة الآن. وها هي اليوم تطلب لها منطقة آمنة ليكتمل النصف الثاني من القسمة ونضيف الى المنطقة الآمنة الكردية منطقة سنية. أما المنطقة الثالثة فهي مكونة منذ 2003 وتم تسليمها للشيعة. كل تلك الأسئلة جعلتنا نقول لا نعلم ما الذي يحدث. لسبب بسيط لأننا لا ننظر الى ما هو أبعد من أنوفنا.

السؤال الأهم الآن: هل العراق نموذج سيتم تعميمه على الآخرين؟ يجب أن نجيب بنعم لنفهم كيف نعمل لاحباط ذلك!