• متى اكتشفت شغفك بهواية جمع المقتنيات النادرة ؟

- أنا من أسرة تخصصت في الأدب والثقافة والدين، لذلك كان شغف القراءة ينمو منذ الصغر إذ كان والدي خالد سعود الزيد أديباً ويهوى المطالعة ولديه اهتمام باقتناء بعض الأمور القديمة المتعلقة بمكونات البيئة الكويتية، وقبل والدي كان جدي الذي ورث عن والده بعض المقتنيات الأدبية والمستلزمات الحياتية.

Ad

واكتشفت حبي لهذه الهواية في نهاية الثمانينيات من القرن الفائت أثناء تحضير والدي لإحدى الفعاليات التراثية، ومن هنا انطلقت بهذه الرحلة المليئة بالدهشة وعبق التاريخ والتراث المحلي.

قيمة تاريخية

 • ما الاشياء التي كنت تحرص على اقتنائها ؟

- أثناء هذه الفترة كنت أقتني جل ما يجذبني وله قيمة تاريخية أو ثقافية وأضمه إلى مقتنيات والدي وكنت أشعر بسعادة غامرة، وعقب وفاة والدي تضاعفت مسؤولية المحافظة على هذا الإرث لاسيما أنه كان يمتلك مكتبة ضخمة تشمل مجموعة إصدارات نادرة ووثائق قيمة ومراسلات وخطابات مهمة، ومن أبرز هذه الكتب مخطوط عبدالله بن سعيد بن بحر الذي يعود إلى 300 عام، وكان والدي يركز على الشأن المحلي بينما أنا أردت اقتناء أشياء لها قيمة تعود على بلدان أخرى.

• ما أبرز مقتنياتك الأخرى؟

- لدي نحو 3 آلاف ساعة متنوعة، منها للحائط وأخريات لليد وعندي ساعة صينية عمرها نحو 180 سنة ابتعتها من مزاد كرسبي الشهير في لندن، ولدي ساعة أخرى فرنسية تعود إلى 300 عام، وأحسب أن أبرز مقتنياتي مجموعة كراسي تعود إلى قصر السلام في عهد الأمير الراحل عبدالله السالم، كما بحوزتي مقتنيات أخرى وكتب وساعات ومخطوطات للعدساني ووثائق وخطابات للأمير الراحل جابر الأحمد حينما كان رئيسا لدائرة المالية.

أما أول حاجة اقتنيتها فكانت ساعة «جيب» من الذهب الخالص.

إهمال الإرث المحلي

• ألم يتم التنسيق مع المجلس الوطني للثقافة والفنون الآداب بشأن هذا الإرث الكويتي المتنوع والمتعلق بتاريخ الكويت؟

- أقولها بحسرة ومرارة، للأسف أن المجلس الوطني لا يهتم بالإرث المحلي برغم أنه أهم جهة ثقافية في الكويت، أنا لا أدعي على المؤسسة الثقافية بل ثمة واقع ملموس يتحدث عن نفسه، متحف الكويت التربوي مغلق منذ نحو عامين وقصر السلام مهمل ولم يتم ترميمه وبوابات الكويت القديمة يطويها النسيان والمعضلة الكبرى أن لا أحد يكترث لما يحصل وكذلك لا يهتم بجيل الشباب الراغب في خدمة بلده، للأسف أن ما آلت إليه الأمور وضع مأساوي وحال يرثى لها، ويؤلمني بشدة ما وصل إليه بيت عائشة التراثي المهمل جداً وكأنه مكب للنفايات.

• المجلس الوطني خصص حديثاً بيت العثمان معلماً تراثياً يضم ضمن أروقته نماذج متباينة من الإرث المحلي.

- تمنيت أن أرى واقعا ملموسا يثلج الصدر، ويقدر عمل المقتنين في الكويت ويكون هذا المرفق مقرا يضم أبرز مقتنياتهم، لكن هذه الامنيات ذهبت أدراج الرياح، فلم يسأل أحد عن هذا الإرث والمستغرب أن دول خليجية بدأت التنسيق معي لتقديم معارض خلال الفترة المقبلة.

أما بخصوص بيت العثمان فأقول شكرا للقائمين عليه، لكن ثمة محتويات أخرى أكثر أهمية من محتوى بيت العثمان ثمة أمور لها بعدها التاريخي وأهمية ثقافية وأدبية أجدر من التركيز على الاكسسوارات والأزياء التي يضمها بيت العثمان، هنا أود أن طرح سؤالا على المسؤولين في المجلس الوطني حول مدى معرفتهم بأهم المقتنيات الموجودة في بيوت الكويتيين وهل لديهم اتصال بالمقتنين؟ وأنا لا أتكلم عن نفسي فحسب بل هناك مجموعة كبيرة من المقتنين الذين يمتلكون كنوزا لا تخطر على بال أحد.

كنوز في البيوت

• ولكن ثمة معارض وأنشطة ينظمها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب للمقتنين بمعنى أن هناك اهتماماً؟

- ربما ينحصر هذا الاهتمام على عدد من المقتنين لكن اهمال المجلس الوطني يمس شريحة كبيرة من الآخرين الذين يملكون كنوزا في بيوتهم ومكتباتهم الخاصة ان كان هناك رغبة حقيقية في حفظ هذا التراث، لماذا لا ينظم المجلس الوطني معرضا دائما في أحد مرافقه يضم أبرز المقتنيات وليكن في قاعة أحمد العدواني مثلا، ويعد مكانا آخر لعرض الكتب النادرة الموجودة في المكتبات الخاصة في بيوت أهل الكويت إذ اعتاد الكويتيون اقتناء الكتب منذ الأزل، لذلك لا يخلو بيت كويتي من الإصدارات النادرة.

انهيار

• تحوي مكتبة الكويت الوطنية والأمانة العامة للأوقاف الكثير من الاهداءات من الكتب والمقتنيات التي تنازل عنها الورثة عقب وفاة مالكها.

وتعاني هذه الكتب والمقتنيات الاهمال والضياع، للأسف وصلنا إلى حالة يرثى لها ولا حياة لمن تنادي، الصرح الثقافي والأدبي ينهار ولا أحد يحرك ساكناً ووصلت الأمور إلى ذروتها في تجاهل التراث المحلي والإرث التاريخي.

أشعر بالألم والضيق كلما تذكرت أن مكتبة عبدالعزيز حسين بيعت في سوق الجمعة ومراسلاته مع الأدباء ومنهم الشاعر الجواهري ذهبت هباءً منثورا وكذلك أتحسر على الطريقة التي تم فيها التخلص من أغراض ومقتنيات الملحن يوسف الدوخي هذا هو حقيقة واقعنا المؤلم والحزين.

ما حققه الآباء والأجداد من صرح ثقافي ومعرفي بدأ ينهار، كما أن المؤشرات تنذر بالأسوأ.

العبث بل مداه

• في رأيك، كيف تعود الأمور إلى مسارها الصحيح ؟

- بداية، ديرتنا لا تدّخر جهداً في تقديم الدعم المادي والمعنوي لأبنائها، لكن المشكلة تكمن في توجهات بعض المسؤولين وأيديولوجياتهم الخاطئة، الكويت اشتهرت بالمعرفة والثقافة وكانت مصدراً للتنوير لمن حولها، لكن العبث الحاصل يجب أن يتوقف ونسمي الأمور بأسمائها لأن البعض يظن واهما أن المال يحقق الارتقاء الفكري والازدهار الثقافي، وأقول لمن يسيطر عليه هذا التفكير: عفواً أنت مخطئ الشأن الثقافي يحتاج إلى مثقفين يديرون قطاعاته والرقي تجده عن المفكرين والأدباء الذين يبحثون عن الإبداع والتفرد، بينما تسير الأمور في المجلس الوطني راهنا وفقاً للمثل القائل «إن حبتك عيني ما ضامك الدهر».

لماذا لا يكون الرجل المناسب في المكان المناسب؟ لماذا لا يستعين المجلس الوطني بالأدباء الكبار والمفكرين ليحددوا متطلبات المرحلة الحالية؟

• مقتنياتك كثيرة ومتشعبة ومكلفة جداً، فلماذا تصر على الاقتناء في مقابل الإهمال الذي يعانيه المقتنون؟

- حب هذه الهواية تملكني منذ الصغر، وليس بوسعي التخلي عن التاريخ والتراث، فأنا أشعر برباط وثيق يجذبني نحوه، لا أبحث عن مال ولا منصب بل أريد توثيق تراث بلدي والمحافظة على الإرث التاريخي لأننا زائلون والكويت باقية.

أنا أعشق بلدي وأسلك اتجاها يكلفني الكثير من الجهد والمال للمحافظة على تراثها، فحب الوطن ليس أغنية ترددها الشفاه فحسب، بل يحتاج إلى قول مقرون بالفعل.

وأستذكر هنا، الموقف الذي مرّ به والدي، خالد سعود الزيد، حينما وجد جرة قديمة في بر الصبية وحاول لفت انتباه المسؤولين عن ضرورة التنقيب في هذه المنطقة لأنها تمثل حقبة مهمة من تاريخ الكويت لم يجد آذاناً صاغية في تلك الفترة، بينما الآن بدأت عمليات التنقيب في الصبية، واستقدم المجلس الوطني بعثات أجنبية للبحث في هذه البقعة المهمة.

• هل ستبيع مقتنياتك إن وجدت المشتري؟

- لست باحثاً عن مال بل أريد إنساناً يقدر هذا الإرث ويحفظه من الضياع، لأن بعضه يعتبر صفحات مهمة من تاريخ الكويت ووجودها، سأحافظ على هذا التراث وسأوصي أولادي بالاهتمام به لأنه أثمن من أي نقود.

بلدان تستورد التاريخ

يقدر الغربيون تاريخ أوطانهم ويمنحونه أهمية قصوى، معتبرين أن الأمم تستمد تطورها من حضاراتها القديمة، واتساقاً مع هذا الرأي، يتذكر وضاح خالد الزيد موقفاً حدث له في لندن عندما كان في زيارة أحد المزادات الشهيرة، ويورد لـ«الجريدة» تفاصيل هذا الموقف: «سألني شخص إنكليزي حينما لاحظ اهتمامي ببعض المقتنيات، عن المعالم التاريخية في بلدي، فأخبرته ببعض المواقع وكان حديثي مصحوباً بنبذة تاريخية تعريفية، فأبدى استغرابه مما قلت، موجهاً لي استفساراً آخر حول سبب إهمال هذه الآثار الجميلة المفعمة بالبعد التاريخي، فلم أجد إجابة لسؤاله، ثم علّق: «بلدان الخليج تستورد التاريخ بينما تهمل تراثها المحلي، مستشهداً بافتتاح قاعة «لوفر» في أبوظبي ومتاحف أخرى في الدوحة».