الفتاة اليهودية التي تجلس في المقعد أمامي ألقت برأسها في حضن صديقها، وهي تستر عينيها عن مشهد الفتى الفلسطيني، وهو يهوي بحجر على رأس رازي رجل المخابرات الإسرائيلي، بعد أن أفرغ في أنحاء جسده رصاصات مسدس أخيه الشهيد إبراهيم المصري. الفتاة نفسها لم تفعل ذلك في مشهد سابق، وهي تشاهد قوة الكوماندوز الإسرائيلية بقيادة رازي وهي تطلق النار على إبراهيم المصري وتلقي بقنبلة يدوية لتفتت جسده. هذا الشعور كان يتملكني نقيضه في المشهدين، وربما كان ذلك سر نجاح الفيلم الذي أخرجه الإسرائيلي يوفال أدلر، تاركا لنا مساحات من الطرح الواقعي بعيدا عن انحيازه لطرف ضد آخر. ولو لم يكن اسم المخرج إسرائيليا والمعلومات التي قرأتها عن الفيلم تدل على مساهمة إسرائيل في إنتاجه إضافة إلى بلجيكا وألمانيا لقلت إن المخرج عربي يسير على خطى هاني أبو سعد صاحب فيلمي الجنة الآن وعمر.
المساحة الأكبر لطرح الصراع الفلسطيني /الإسرائيلي، الذي تراجع حماس العرب في الخوض فيه نتيجة تداعيات الربيع العربي والمخاضات العسيرة التي تمر بها شعوب المنطقة العربية، منحت هذه المساحة للكاتب علي واكد الصحافي الفلسطيني الذي ساهم في كتابة الفيلم مشاركا المخرج في ذلك. تلك المساحة شكلت الخلفية السياسية الواضحة في الصراع بين أطراف عربية/عربية في مواجهة لإبراز العضلات الأقوى والأحق في تبني مشروع المقاومة للاحتلال فيما بقيت الكوة التي تركتها سيارة العسكر الإسرائيلي في جدار بيت إبراهيم المصري مفتوحة للريح.إبراهيم المصري يقود عمليات استشهادية، كما يطلق عليها الفلسطيني، وانتحارية كما يسميها الجانب الإسرائيلي، ويتخذ من ملجأ في بيت لحم مقرا له، وتتنازع على انتمائه كتائب الأقصى التابعة لمنظمة التحرير، وكتائب عز الدين القسام التابعة لحماس. ويلعب شقيقه الأصغر "سنفور"، وهو مراهق تم اعتقال والده قبل سنتين، وطلب منه رازي رجل المخابرات أن يصادقه ليطلق سراح والده. خلال تلك السنتين كان الفتى مطيعا لرجل المخابرات إلا أن السر الذي لم يطلعه عليه هو التواصل مع شقيقه إبراهيم المصري وإمداده بنقود من حماس دون علم مجموعته في كتائب الأقصى.يهدي رجل المخابرات جهاز تلفون لسنفور يحمل ذات الرقم، ويتصل بشقيقه لتتم مطاردته، لكن رجل المخابرات يحاول إنقاذ مصدره وإبعاده عن العملية دون أن يحدد لنا إن كان ذلك عملا إنسانيا تجاه شاب صغير السن أو للاستفادة منه في عمليات أخرى، لكن عملية الإبعاد تغضب رجال المخابرات التي ترغب في القضاء على الشقيقين. يحاصر إبراهيم المصري ويقتل وتفشل الحجارة التي هاجم بها السكان سيارات المخابرات في إنقاذه.في المشرحة تدخل جماعة حماس لحمل الشهيد وتشييعه رغم رفض والده الذي أصر على أن ابنه لا يعمل مع حماس، وفي الممر تدخل كتائب الأقصى وتعيد الجثمان إلى مكانه ليشيع بمعرفتها. حين تكتشف كتائب الأقصى أن الشقيق سنفور يعمل مع رجل المخابرات تلقي القبض عليه وتهدده بالقتل إذا لم يثأر لشقيقه من قاتله. في اللقاء الذي يجمعهما يطلب سنفور من رازي أن يأخذه إلى إسرائيل، لكنه يرفض ويطلب منه أن يبقى إلى جوار رجال المقاومة. وحينها يقرر الفتى أن يقتل رجل المخابرات.الملاحظة الغريبة في الفيلم أن لغته تتناوب بين العربية والعبرية، وفي أي حوار بين عربي وإسرائيلي يجيد كلاهما لغة الآخر وينتقلان من لغة الى أخرى بكل سلاسة، وكانت الترجمة الإنجليزية هي المنقذ في فهم الحوار. وكأن الحياة وصلت بين الشعبين الى قمة التعايش، ولم يبق من المقاومة سوى مجاميع يتم القضاء عليها بسهولة كبيرة.
توابل
بيت لحم
08-06-2014