فجر يوم جديد: قراءة في ملف {الرقابة}!

نشر في 02-05-2014
آخر تحديث 02-05-2014 | 00:01
 مجدي الطيب دفعتني أزمة فيلم {حلاوة روح} إلى مراجعة ملف {الرقابة} في مصر، فاكتشفت أن القانون رقم 430 لسنة 1955 لتنظيم الرقابة على الأشرطة السينمائية ولوحات الفانوس السحري والأغاني والمسرحيات والمنولوجات والأسطوانات وأشرطة التسجيل الصوتي، أولى اهتماماً كبيراً بحماية {النظام العام} و «الآداب} و«مصالح الدولة العليا} عندما نصَّ على إلزام الرقابة بالترخيص للمصنف الذي لا يتضمن أو ينطوي على: دعوات إلحادية وتعريض بالأديان السماوية، تصوير أو عرض أعمال الرذيلة أو تعاطي المخدرات على نحو يشجع على محاكاة فاعليها، مشاهد جنسية مثيرة وما يخدش الحياء والعبارات والإشارات البذيئة، عرض الجريمة بطريقة تثير العطف أو تغري بالتقليد أو تضفي هالة من البطولة على المجرم، أي المحظورات التي اصطلح على تسميتها بثالوث {الدين} و}الجنس} و}السياسة}!

غير أن اللافت أن {الدين} لم يكن يوماً سبباً في الصدام مع الرقابة، في حين ظلت {السياسة}، ومن بعدها الجنس، بمثابة {الصداع} الذي يقض مضجع الرقابة؛ فباستثناء أزمة فيلم {غرباء} (1973)، الذي اتهم بنشر الإلحاد والعلمانية في حين كان يناقش قضية التعايش بين البشر مهما اختلفت عقائدهم و}إيديولوجياتهم}، وفيلم {المُهاجر} (1994)، الذي مُنع من العرض بحجة أن أحداثه مأخوذة عن حياة النبي يوسف، وفيلم {بحب السينما} (2004)، الذي تحفظت الكنيسة القبطية على عرضه، لم تشهد الساحة أزمات رقابية لأسباب دينية على عكس ما حدث مع الأفلام التي اتخذت {السياسة} محوراً لها؛ ففي أعقاب قيام ثورة 23 يوليو 1952 تعاملت الرقابة بحساسية مفرطة دفعتها إلى اتهام أفلام: {المتمردون} (1966)، {السيد البلطي} (1967) و}يوميات نائب في الأرياف} (1969) و}ميرامار} (1969) بالتحريض ضد الثورة بينما اتهمت فيلم {شيء من الخوف} (1969) بتوظيف الرمز للإسقاط على شخصية جمال عبد الناصر، واتهامه بأنه {طاغية}. لكن عبد الناصر هو الذي تدخل للإفراج عن الفيلم، كما فعل عندما أصدر تعليماته للرقابة بإجازة عرض فيلمي {ميرامار} و}يوميات نائب في الأرياف}.

لم يتوقف الصراع بين الرقابة والأفلام التي تشتم فيها رائحة السياسة، ومثلما حدث بعد الثورة تعاملت الرقابة بعنف ملحوظ مع الأفلام التي أنتجت عقب هزيمة يونيو/ حزيران 1967؛ مثلما فعلت مع فيلم {العصفور}، الذي أنتج في العام 1972 ولم يُعرض سوى في أعقاب حرب أكتوبر/ تشرين 1973، وفيلم {زائر الفجر}(1973) الذي اتهم بأنه غير مؤهل للعرض في فترة يعاني فيها الوضع السياسي اهتزازاً وعدم استقرار.

المفارقة المُدهشة أن الرقابة دخلت في صدام مع أفلام قيل إنها أنتجت برعاية الدولة إبان عهد {السادات}، واستهدفت تشويه الحقبة الناصرية، بالقول إنها فترة التعذيب والمعتقلات؛ مثل: {الكرنك} (1975)، و}وراء الشمس} (1978) و}إحنا بتوع الأتوبيس}(1979)، لكنها لم تتعنت مع أصحابها كثيراً، فالسادات هو الذي تدخل لإجازة {الكرنك} والدولة هي التي أسقطت الدعوى القضائية التي رفعها شمس بدران، وزير الحربية في عهد عبد الناصر، التي يتهم فيها الفيلم بتشويه سمعته من خلال شخصية خالد صفوان!

الأكثر إثارة أن الرقابة لجأت إلى حذف نهاية فيلمي {الغول} (1983) و}البريء}(1986) كشرط لعرضهما، في حين حظرت عرض عدد من الأفلام، بحجة النزول على رغبة الرأي العام، كما فعلت مع فيلم {المذنبون} (1975)، الذي اتهمته رسائل مزعومة قيل إنها جاءت من مصريين يعملون في الدول العربية، بالإساءة إلى سمعة مصر، ما تسبب في إقالة اعتدال ممتاز مدير الرقابة، وإحالة 14 رقيباً إلى المحاكمة التأديبية بتهمة التحريض بعرض الفيلم والتصريح بتصديره، كذلك تم استدعاء المخرج سعيد مرزوق للمثول أمام جهاز مباحث أمن الدولة، وتدخل الوزير يوسف السباعي لإنقاذه!      

في سياق ليس بعيداً ظل هاجس {الجنس} يؤرق الجهاز الرقابي العتيد (أول جهاز للرقابة أسسته سلطة الاحتلال البريطاني في العام 1927 كإدارة تابعة لوزارة الداخلية)؛ إذ لم تكتف الرقابة بالتنكيل بفيلم {حمام الملاطيلي} (1973) بحجة الإفراط في مشاهد العري والجنس، وإنما طاردت يحيى الفخراني ومعالي زايد بطلي فيلم {للحب قصة أخيرة} (1984)، وأحالتهما إلى النيابة بتهمة ارتكاب فعل فاضح في مكان عام (الأستديو)، وتكرر الأمر مع معالي زايد وممدوح وافي في فيلم {أبو الدهب} (1996)؛ حيث طالب محام بمحاكمتهما طبقاً لقانون الآداب، لكن المحكمة حفظت القضية!

كشف الصدام المحتدم بين الرقابة والسينما المصرية عن مفاجأة مُثيرة للغاية عندما تبين أن عدد المخرجين الذين واجهوا مشاكل مع الرقابة لم يزد عن عشرة مخرجين؛ على رأسهم توفيق صالح، الذي اضطرته الرقابة إلى الهجرة إلى سورية والعراق بعد تحرشها به وبأفلامه، وهم حسين كمال، يوسف شاهين، صلاح أبو سيف، رأفت الميهي، سعيد مرزوق، علي بدرخان، سمير سيف، عاطف الطيب، كريم ضياء الدين وأسامة فوزي ثم انضم إليهم سامح عبد العزيز.

back to top