الخويا...!

نشر في 01-05-2014
آخر تحديث 01-05-2014 | 00:01
 مسفر الدوسري «الخويا» صناعة خليجية صرفة، حتى السيد (غوغل) برغم سعة اطلاعه ومعرفته لا يفقه الكثير عنها، ولا يعرف طبيعتها، ولا يعرف شيئاً عن نشأتها، ولا كيف تطوّرت، تكاد تكون هذه المهنة رغم عراقتها مجهولة، وهي بالفعل مهنة غامضة، إذ لا يوجد لها توصيف وظيفي في سجلات دواوين الخدمة المدنية أو الجهات المسؤولة عن القوى العاملة.

فإن «الخوّة» في المعنى الخليجي الدارج تعني الرفقة، «فالخويّ» عادة هو الرفيق، وقد تقتصر «الخوّة» على صحبة سفر وقد تمتد إلى صحبة عمر، و«الخوي» بهذا المعنى هو ذلك الشخص الذي تتقاسم معه اللحظة بحلوها ومرّها، وهو ذلك الذي يملي عليك الواجب الأخلاقي بأن تؤثره بالخير على نفسك ولو كان بك خصاصة، وهو أيضا ذلك الذي إن سلّط الوقت هجيره عليه فأنت ملزم بكل ما استطعت أن تقدّ له من قلبك ظلال، وإن أمحلت روحه أصبح واجباً عليك أن تزرعها بالأمان، «الخوي» هو شريك فرحتك وأنت شريك همّه بعقدٍ غير مكتوب بينكما.

هذا هو المعنى المتعارف عليه «للخوّة» أو «للخوي»... فإن هذا المعنى العظيم لهذه العلاقة طرأ عليه تغيّر جذري، فتحولت «الخوّة» من علاقة إنسانية سامية المعاني، إلى مهنة، وظيفة مدفوعة الأجر، وسوق عمالة محدود جداً لأشخاص لهم طبيعة خاصة ومؤهلات استثنائية!

كما أن المهام لهذه المهنة ذاتها غريب وعجيب، إذ تتطلب من «الخوي» القيام بأي شيء وبكل شيء لصالح الطرف الآخر، إضافة إلى أن الخوة المعاصرة أصبحت تقتصر على طرف واحد من أطراف العلاقة، على عكس الفهم المتعارف عليه في «الخوّة»، حيث كل من الطرفين «خوي» للآخر!

في «الخوة» المعاصرة أصبح هناك مسميان لطرفيها: «الخوي» و«المعزّب»، «الخوي» يفعل كل ما يُرضي «المعزّب»، وهذا الأخير يمنحه ما تيسّر من رضاه، وقد يكون هذا المنح مادّيا أو معنويّا، وربما كان الاثنين معاً.

وعلى «الخوي» أن يتقن فنون المكر والدهاء، ليكون قادرا على قراءة الخارطة النفسية «للمعزّب» في كل لحظة وفي أي وقت، وليس هذا كافياً إذ عليه أن يفكر سريعا بالقيام بالتصرف المناسب لتلك الحالة دون أن يُطلب منه ذلك، فمثلاً إن رآه مهموماً عليه أن يفكّر سريعاً ويتخذ قراراً إما بإضحاكه أو تصنع الهمّ معه من باب التفاعل والتعاطي مع همّه... وإن أخطأ التقدير دفع الثمن!

حياة «الخوي» مُسَخّرة (لم أقل مَسْخَرة) بالكامل من أجل حياة «المعزّب»، يذهب معه حيث يشاء، ويمضي أيامه تحت الطلب ورهن إشارته في أي وقت، يسهر إن سهر، وينام إن نام، لا يعصي له أمراً ولا يردّ له رغبة مهما كان اعوجاجها، ليست مبالغة حين أذكر أن بعض «الخويا» لا يتزوج إلا بعد مشورة «المعزّب» وأخذ موافقته، وأن بعضهم لا يتمكن من معاشرة زوجته إلا بإذنه، وإن أسماء مواليدهم لا بد أن تنال رضاه!

 تحولت هذه العلاقة من مظهر إنساني تنسج خيوطه الألفة والتقدير بين شخصين، إلى وجاهة اجتماعية وإشباع نفسي لطرف، وللطرف الآخر قضاء مصلحة وكسب قوت!

البعض يطلق على «الخويا» مسمّى: العبيد الجدد!

back to top