يعرقل الاتفاق المؤقت الذي أُبرم مع إيران تقدم هذا البلد النووي للمرة الأولى منذ عقد، إلا أنه يفرض على إيران أن تقدم دفعة أولى متواضعة في هذه المشكلة البالغة الأهمية.
لا تلغي هذه الصفقة الجزء الأكبر من التقدم الذي حققته إيران خلال السنوات الخمس الماضية، والذي قلَّص على نحو كبير ما يطلق عليه الخبراء بـ"زمن الاندفاع" اللازم والضروري لتطوير قنبلة وإعدادها، في حال قرر القائد الأعلى الإيراني أو جيشه المضي قدماً في هذا المسار.لكن إطالة هذه الفترة كي يتسنى للولايات المتحدة وحلفائها الوقت الكافي للتفاعل مع خطوة مماثلة تُعتبر الهدف الأساسي الذي يسعى إليه فريق المفاوضين التابع لأوباما، إلا أن هذا الهدف يشكل أيضا سبب الخلاف الأول بين البيت الأبيض وحليفتيه إسرائيل والمملكة العربية السعودية، اللتين لم تخفيا اعتقادهما أن الولايات المتحدة تتخلى عنهما.اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذا الاتفاق "صفقة سيئة" لا تفرض على إيران حتى "تفكيك جهاز طرد مركزي واحد". وشعر السعوديون بامتعاض مماثل، ملمحين في تعليقات جانبية غامضة إلى أنه إذا عجزت الولايات المتحدة عن حمل إيران على التراجع عن التقدم الذي حققته في برنامجها النووي، يكون الأوان قد حان لتنتقل المملكة العربية السعودية إلى الخطة البديلة: امتلاك أسلحة نووية خاصة بها تحصل عليها من باكستان، التي دخلت النادي النووي بدعم من السعوديين.تشكل هذه التحذيرات جزءاً من إطار المفاوضات العام المتوقع، الذي يجب أن تبدو فيه الولايات المتحدة متساهلة كفاية مع القيادة الإيرانية كي تضمن استمرار المفاوضات الهشة، ومتشددة كفاية كي لا يتهمها حلفاؤها والكونغرس بالسذاجة. لهذا السبب، وصف الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال خطاب ألقاه مساء السبت الماضي في البيت الأبيض الصفقة المؤقتة بالخطوة الأولى الضرورية.أشار أوباما إلى أن قبول إيران بتحويل أو تخفيف مخزونها من الوقود المخصب إلى نسب قريبة من النسب الضرورية في تطوير الأسلحة يعني أن هذه الصفقة "ستقطع على إيران السبل الأكثر احتمالاً إلى القنبلة". لكنها لن تقطعها إلا مؤقتاً ولمدة كافية لمواصلة التفاوض من دون الخوف من أن إيران قد تستغل هذه الفترة للاقتراب من اكتساب القدرة على تطوير أسلحة نووية.لكن الخطر الأكبر الذي يصطدم به هذا الاتفاق المؤقت يأتي من المتشددين في واشنطن وطهران الذين قد يقررون تعطيله بعد الاطلاع على تفاصيله.في الجانب الإيراني، قد يحاول حرس الثورة الإسلامية، الذي اتهمته وكالات الاستخبارات الأميركية بإدارة برنامج سري لتطوير الأسلحة، تعطيل هذا الاتفاق أيضا، معتبرا أن التخفيف من العقوبات ليس كافياً، وأن السقف المفروض على عملية التخصيب سيبطئ جهود إيران لبناء قدراتها النووية.يذكر وزير الخارجية الأميركي جون كيري وكبيرة مفاوضيه ويندي شيرمان أنهما يدركان جيداً أن هذا الاتفاق المؤقت لا يحل مشكلة إيران النووية. إلا أنه يمهد، على حد تعبيرهما، الطريق أمام المفاوضات الحقيقية التي سيكون هدفها إقناع القادة الإيرانيين بأن الطريقة الوحيدة لرفع أقسى العقوبات (تلك التي أدت إلى تراجع عائدات النفط بنحو النصف) تقوم على تفكيك أجزاء كبيرة من برنامج خصصوا له مليارات الدولارات وعلقوا عليه فخر بلدهم.لكن ما يقض مضجع فريق التفاوض الأميركي احتمال التطورات السلبية التي قد تفسد صفقة تبدو جيدة لشراء الوقت. ففيما كانت شيرمان تقنع وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، بالقبول بالاتفاق المؤقت، كانت كوريا الشمالية تستأنف العمل في مفاعل نووي كانت قد فككته جزئياً في اتفاق مماثل عُقد في مرحلة متأخرة من عهد الرئيس جورج بوش الابن، اتفاق هدف إلى عرقلة قدرة كوريا الشمالية على إنتاج وقود البلوتونيوم لصنع أسلحة.يوضح كريستوفر ر. هيل، الذي أدار المفاوضات مع كوريا الشمالية ممثلاً إدارة بوش، وهو اليوم عميد كلية جوزف كوربل للدراسات الدولية في جامعة دنفر: "دام الاتفاق خمس سنوات. وهذا ليس سيئاً بالتأكيد. لكن الواقع يؤكد أن من الممكن الرجوع عن أي تقدم بمرور الوقت".صار المثال الكوري الشمالي الدليل الأول في الحجة الإسرائيلية القائلة إن صفقة يوم الأحد تُعطي إحساساً خاطئاً بالأمان. وذكر وزير الشؤون الاستراتيجية والاستخباراتية الإسرائيلي يوفال شتاينتس خلال مقابلة أُجريت معه في زيارة أخيرة قام بها إلى واشنطن: "ثمة نموذجان للصفقة: ليبيا وكوريا الشمالية. نريد ليبيا".كان شتاينتس يشير إلى اتفاق عُقد عام 2003 تخلت بموجبه ليبيا عن كل معداتها النووية، ولم يتبق لها أي قدرة على إنتاج وقود نووي. لكن ليبيا كانت قد بدأت لتوها باستعمال تلك المعدات التي اشترتها من باكستان. كذلك استثمرت مبالغ أقل بكثير مما خصصته إيران لبرنامجها النووي، وما كانت قد اقتربت حتى من تخصيب الوقود النووي. فضلاً عن ذلك، لا أحد يعتقد في الواقع أن الإيرانيين سيتخلون عن كامل برنامجهم. لذلك ينشأ هنا السؤال: ما يُعتبر كافياً؟في مستهل رئاسة أوباما، كانت إيران تملك نحو ألفَي كيلوغرام من اليورانيوم المنخفض التخصيب، كمية بصعوبة تكفي لإنتاج قنبلة. أما اليوم، فباتت تملك نحو 9 آلاف كيلوغرام، وفق تقديرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية. على نحو مماثل، كان عدد أجهزة الطرد المركزي العاملة في إيران عام 2009 محدودا. أما اليوم، فارتفع عددها إلى 18 ألفا، بما فيها نماذج جديدة تُعتبر أكثر فاعلية وتستطيع بسرعة أكبر إنتاج يورانيوم مخصب إلى نسب يمكن استعمالها لغايات عسكرية. كذلك يعِد مفاعل ماء ثقيل جديد خارج مدينة آراك بفتح طريق جديد نحو القنبلة يعتمد على البلوتونيوم، في حال بدأ العمل فيه السنة المقبلة، كما تُعلن إيران.أضف إلى ذلك مشكلة إرغام إيران على الكشف عن التقدم الذي حققته في تطوير الأسلحة. فطوال سنوات، رفض قادتها الإجابة عن أي أسئلة بشأن وثائق هربها عالم منشق إلى خارج البلد قبل ثماني سنوات، وتشير بوضوح إلى عمل إيران على رأس نووي. فلم يتمكن المحققون من مقابلة محسن فخري زادة، الأكاديمي الذي يُعتقد أنه مسؤول عن سلسلة من مشاريع تطوير أسلحة.لكن الجيد بالنسبة إلى المفاوضين الأميركيين أن إيران، إذا لم تكن تملك أي منشآت مخبأة، ستحتاج إلى أشهر عدة لإنتاج وقود يمكن استخدامه لغايات عسكرية من مخزونها الحالي. كذلك عليها الانتظار سنة أو أكثر لتحول هذا الوقود إلى سلاح يمكن استخدامه ولكي تقلصه ليلائم وضعه في رأس أحد صواريخ "شهاب" الإيرانية.حتى في هذه الحالة، لن يعود سلاح واحد بالفائدة على إيران، مقارنة بأسلحة إسرائيل التي تفوق المئة، فضلاً عن آلاف الأسلحة النووية الأميركية، كما يشير وزير الخارجية الإيراني ظريف عادة. لكن الإقرار بأن إيران توشك أن تطور سلاحاً سيؤثر في النظرة العامة إلى قوتها حول العالم. وقد يكون هذا كل ما يسعى إليه قادتها.يبقى التحدي الأكبر الذي يعيق طريق أوباما سد الفجوة بين مصالح الولايات المتحدة من جهة ومصالح إسرائيل وجيران إيران السنّة من جهة أخرى. يعتبر أوباما أن الصفقة المؤقتة لتجميد برنامج إيران مكسب كبير، وأن أي صفقة تعيد هذا البرنامج إلى ما كان عليه حين استلم هو منصبه تشكل انتصاراً أكبر.لطالما كان هدف أوباما المعلن منع إيران من تطوير قنبلة، لا منعها من اكتساب القدرة على تحقيق ذلك. فيدرك الرئيس الأميركي أنه لا يستطيع أن يدمر، سواء بالقنابل أو بالصفقات، المعارف التي اكتسبتها إيران عن بناء سلاح نووي. فقد فات أوان ذلك.David E. Sanger
مقالات
خطوة نحو إبطاء قدرة إيران على التسلح
27-11-2013