قبل أسابيع عرضت إحدى الفضائيات المحلية استطلاعاً عن العمارات والمباني المهجورة في البلاد، والتي تحولت إلى أماكن يصعب وصفها بما تحويه من خرائب ينعق فيها البوم، وتحط فيها كل أنواع الحشرات والجراثيم، ما يثير الاهتمام ويجعل ألف علامة استفهام تقفز أمامك، وهي تتلوى من الألم والحسرة.

Ad

 لقاء قصير أجرته الفضائية مع أحد المسؤولين في  بلدية محافظة حولي الذي أفاد بأن البلدية لا تستطيع إزالة تلك المباني، وذلك لعدم الاستدلال على ملاكها، وأكمل المسؤول الذي يتربع على كرسيه منذ ما ينيف عن ربع قرن تصريحه بقوله: إن البلدية لا تستطيع الإزالة إلا بعد موافقة المالك على دفع قيمة تكاليف الإزالة، هل يعقل هذا؟

عند سماعي لذلك التصريح الرائع تذكرت ذلك الصباح عندما حضرت إلى منزلي سيارة أمن وبعض الآليات التابعة لإدارة البلدية مع عدد كبير من العمال، وقامت تلك الحملة المنظمة بإزالة حديقة منزلي التي لا تتجاوز عدة أمتار، والتي كانت تحتوي على بعض الأشجار والنباتات النادرة التي أحضرتها من عدد من مناطق العالم، وما هي إلا دقائق معدودة حتى تحولت تلك الحديقة الغناء إلى أكوام من الخرائب.

 فهذه الثقافة التي تؤمن بها بلدية الكويت، وما زلت أذكر بكثير من الألم المشرف الذي يرافق الحملة الشعواء، وهو يقوم برفس الأزهار والنباتات بقدميه بكل قسوة وكأن بينه وبينها ثأراً وكرهاً دفيناً، فهل يعقل أن يتمكن هذا المسؤول من إزالة تلك الحديقة الجميلة بدقائق معدودة في حين يعجز ذلك المسؤول عن إزالة هذه المباني والخرائب وأوكار الجراثيم والأمراض؟

من ناحية أخرى فقد نشرت قبل أيام إحدى الصحف المحلية خبراً مفاده أن حوالي "450" عاملاً آسيويا يقبعون في سرداب سفارتهم في البلاد، وقد أجرت تلك الصحيفة لقاء مع أحد الوكلاء المساعدين في إحدى الوزارات، والذي أفاد بأن الأمر لا يعنيهم، فهو من اختصاص وزارة أخرى، وبناء على الأوضاع المأساوية التي يعيشها أولئك العمال بعددهم الذي يتجاوز "450" عاملاً وفي مساحة محدودة، فقد قامت إحدى الجمعيات الخيرية-جزاها الله خيراً- بتوفير بعض المأكل والمشرب وبعض البطانيات ومواد النظافة الشخصية ولا نعرف إن كانت المشكلة قد انتهت وكيف.

ونأتي للسؤال المهم: لماذا تتبع الحكومة "سياسة التطنيش"؟ ولماذا لا تتفاعل الدولة مع آهات المواطن الذي يئن تحت وطأة جمود التنمية التي تاهت في شوارع "أكل الدهر عليها وشرب"، فغدت وكأنها ثوب متسول من القرن الماضي؟ ولماذا الصمت إزاء ذلك المواطن الذي يكاد يصرخ من الألم لما يراه من تردٍّ في الخدمات الصحية؟ ولماذا عدم الاكتراث لمعاناتنا في وسط هذا الازدحام المروري إضافة إلى هذا الاستهتار؟ ولماذا؟ ولماذا؟ صراخ وأنين وآهات ولكن الحكومة تضع أصابعها في آذانها وتغمض عينيها ولا ترد على تلك الصرخات إلا بعدم الاكتراث، لماذا عدم التفاعل مع آهات المواطنين التي يمكن رصدها من خلال زياده التحلطم والمقالات الصحافية وكتاب الزوايا واللقاءات وأحاديث الدواوين؟ ولماذا عزوف كل الحكومات المتعاقبة عن القيام بتنفيذ المشاريع وتطوير البلاد وإخراجها من حالة الجمود؟

أما عن أعضاء مجلس الأمة الكرام ففي اعتقادي ومن خلال الرصد والمتابعة فقد رفع الشعب يده عنهم، وفقد الأمل فيهم، ولم يعد يعطي أي اهتمام لتصريحات بعض الأعضاء لتكرارها وخلوها من أي مضمون، وغدت وعودا مكتوبة بالماء، ونتساءل: هل الديمقراطية هي سبب تأخر التنمية في بلدنا، أم أنها صراع المصالح وتعارضها، ثم لماذا ينتهي عصر الرفاه في ظل فوائض مالية سنوية واستثمارات دولية في كل أنحاء العالم مع وقف التنفيذ للمشاريع في البلاد؟ والسؤال المهم: إلى متى تستمر الحكومة في "سياسة التطنيش"؟ ولا أحد يعلم إلى متى كلما سمع بعض المسؤولين نقداً "جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم".

من ناحية أخرى فقد صرح قبل أيام وكيل وزارة الأشغال المساعد بأن هناك ميزانية بمقدار اثنين مليار دينار تم رصدها لتنفيذ مشاريع الطرق، و"الوزارة في انتظار موافقة وزارة الكهرباء، ووزارة الكهرباء تبي موافقة المجلس البلدي اللي يبي موافقة هيئة الزراعة، والزراعة تبي مطر والمطر عند الله"، وندعو لله سبحانه أن يحفظ الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

مناطق سادت ثم بادت

 استمعت قبل أيام إلى سامرية "نجدي" من التراث الكويتي الأصيل يقال إن كلماتها تنسب إلى أحد وجهاء البلاد الكبار تقول كلماتها:

"يا سعود فات من الشهر خمسة وعشرين... ما شفت خلي

أخاف عليه من الخطر بين البساتين... شرق حولي

أخاف يشوقه غرسهم والمنظر الزين مايٍ وظلّ".

والآن غدا الداخل إلى منطقة حولي مفقودا والخارج منها مولودا كحال بعض مناطقنا.