هكذا وجدت الفنان حسين الإمام في اللحظة التي أبلغته فيها أن اللجنة العليا للمهرجانات اختارت فيلم {شفيقة القبطية} لوالده حسن الإمام (15 مارس 1919 - 29 يناير 1988) لتمثيل مصر في أحد المهرجانات السينمائية الدولية، وكاد يطير من الفرح عندما علم أن المخرج الكبير توفيق صالح رئيس اللجنة قال: "ظلمنا حسن الإمام في حياته فقد كان مخرج الروائع بحق}!

Ad

كان سعيداً لأن ثمة من رد الاعتبار إلى والده بعد فترة طويلة تعرض فيها لظلم صارخ وغبن واضح، ولأن البعض أعاد قراءة أفلامه الشهيرة مثل: {بين القصرين، الخطايا، إضراب الشحاتين، خلي بالك من زوزو، بمبة كشر}، بعد طول تجاهل ونظرة لا تخلو من استهانة!

لحظتها أحسست أن حسين الإمام كان يُرثي حاله، وأن من شابه أباه فما ظلم؛ إذ كان يتعرض لمصير لا يختلف كثيراً عن ذلك الذي واجهه الأب العصامي الذي امتلك موهبة الكتابة وأجاد اللغتين الفرنسية والإنكليزية نطقاً وقراءة وكتابة، واستهل مسيرته الفنية كمترجم للنصوص الأدبية والمونولوجات المسرحية، بينما كان الابن فناناً شاملاً، بمعنى الكلمة، كتب السيناريو والحوار، واحترف التمثيل، فضلاً عن كتابة وتلحين وتوزيع الأغاني. كذلك شارك في غناء «كابوريا» و{استاكوزا» مع أحمد زكي، وفي فترة لاحقة قدم البرامج التلفزيونية بحس كوميدي ساخر أسهم في ذيوع صيته، وأدى إلى اتساع رقعة جماهيريته.

المثير أن حسين الإمام، الذي ولد في 8 فبراير من العام 1951 لم يكن مقنعاً لأبناء جيلنا كممثل، وكثيراً ما كنا ننظر إليه بوصفه «صنيعة أبيه» وأنه «مفروض علينا كممثل»، بدليل اقتصار مشاركته على الأفلام التي يخرجها والده؛ كأفلام: «السكرية، بمبة كشر، سلطانة الطرب، ابن مين في المجتمع». كذلك أتاح له والده فرصة التعبير عن نفسه كملحن عندما أسند إليه، مع شقيقه «مودي»، مسؤولية وضع الموسيقى التصويرية لفيلم «الجنة تحت قدميها». وفي الوقت الذي احتل اسمه مركزاً متقدماً على الملصق الدعائي لفيلم «بديعة مصابني» لدرجة أنه سبق اسم الفنان القدير عماد حمدي، اختفى تماماً من ملصق فيلم «التوت والنبوت» إخراج نيازي مصطفى. لكن البصمة التي عجز عن تركها في أفلام «مخرج الروائع» ظهرت، في أعقاب رحيل والده؛ حيث تحول إلى شخصية وتخصص في أدوار «الشرير»، كما في فيلم «حكايات الغريب»، وأتقن تجسيد شخصية «الأرستقراطي»، كما في فيلم «كابوريا»، وكان مقنعاً ومُحبباً في أدوار «اللص الظريف» الذي تابعنا خفة ظله في فيلم «كذلك في الزمالك» و»سمير أبو النيل»، وقدم أدواراً تعكس عشقه للفن، كما حدث عندما أدى دور المغني الشعبي في فيلم «أشيك واد في روكسي»، وصاحب نادي الفيديو المتخصص في ترويج الأغاني الهابطة في فيلم «أيس كريم في جليم» ومخرج الأغنيات الخليعة في فيلم «واحد صفر».

غيَب الموت حسين الإمام عن عمر يناهز الثالثة والستين، إثر إصابته بسكتة قلبية، لكن ستظل شخصية «أحمد فضل الله»، التي جسدها في فيلم «احكي يا شهرزاد» تأليف وحيد حامد وإخراج يسري نصر الله بمثابة الشهادة الدامغة على موهبته التي صقلتها السنون، وحرفيته التي نضجت بفعل وفرة التجارب، ونجاحه في امتلاك خصوصية لم تتوافر لكثير من أقرانه؛ فمن خلال لكنة مميزة اختارها لنفسه، وأسلوبية في الأداء يجيدها دون غيره، أبهرنا بشخصية الموظف الكبير المختال بنفسه، الذي يُعد المعادل العصري لـ «سي السيد»، ونموذج «الدكتاتور» المستبد نتاج المجتمع الذكوري، الذي يقهر المرأة ويكبل حريتها، ويُملي شروطه المجحفة عليها، وعندما تسأله عن المقابل الذي يجعلها تخضع وتتنازل، يرد عليها، بغرور بأنه سيتواضع ويوفر لها الفراش؛ أي الممارسة الجنسية الحميمة!

جسد حسين الإمام شخصية «أحمد فضل الله» بقدرة مُذهلة على الإقناع، وتفرد واضح في الجمع بين البساطة، السلاسة، خفة الظل، التعال والغباء. كذلك فاجأنا بتركيبة من المتناقضات الصعبة التي سيطر عليها بيسر ومن دون عناء، وبرهن للجميع أنه معجون بموهبة اختمرت وتشكلت مع الأعوام، ولفرط حبه للسينما دشَّن شركة إنتاج باسم «الإمام ستار» تكفلت بتمويل فيلم «كابوريا». ولم يكتف بالإنتاج، وإنما اتجه، في مرحلة تالية، إلى كتابة القصة والسيناريو والحوار لفيلمي «كذلك في الزمالك» و»أشيك واد في روكسي»، الذي شاركه في إنتاجه مدحت الشريف. وتشاء الأقدار أن يهدي الفيلم «إلى كل من أحببناهم ورحلوا عنا ولم يعبروا معنا إلى القرن القادم... إلى كل من أسعدونا وأضحكونا»... واليوم بعدما رحل عنا نشعر وكأنه أهداه إلى روحه!