عذراً للقراء عن مواصلة الحديث الذي بدأته في مقال الأحد حول الدستور في الذكرى الـ51 لصدوره، وسوف أستأنف هذا الحديث بعد الفراغ من حديث حول الصندوق السحري ونتائجه.

Ad

الصندوق السحري ومفتاحه  

كتب أول أمس كاتب كبير تحت هذا العنوان يعقب على ما جاء في مقالي المنشور على هذه الصفحة يوم الأحد 10/ 11/ 2013، تحت عنوان "المسلسل المكسيكي من العنف والرفض في مصر مَن المسؤول عنه؟"، والذي قلت فيه بالحرف الواحد وبالرغم من أن كاتبنا الكبير دعا الفريقين، فريق "الإخوان" والفريق المناهض لهم إلى عدم التلاعب بالألفاظ والمفردات والحديث بأن الشرعية مثلاً لم تذهب لتعود أو أن الوضع الحالي شرعي، فقد وقع فيما نهى عنه عندما قصر الاستفتاء على سؤال واحد هو: "هل توافق على عودة الشرعية؟ ويتساءل هل يستجيب العقلاء من الحكام؟ أم لم يعد هناك عقلاء بينهم؟!".

وأجبته عن سؤاله الأخير بأن من يوافق على إجراء الاستفتاء على السؤال الذي طرحه سيكون بلا عقل، لأنه ليس هناك عاقل واحد يرفض الشرعية.

فأي شرعية التي سيجري الاستفتاء على عودتها؟ أهي شرعية نظام حكم أسقطتها عنه ثورة 25 يناير؟ أم هي شرعية نظام حكم أسقطتها عنه ثورة 30 يونية؟ ولماذا لا يكون الحل أبسط من ذلك بكثير؟ وهو الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي ستسفر عنها "لجنة الخمسين"، والاستفتاء الذي ستسفر عنه الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة.

وكان اقتراحي محل استهجان شديد من كاتبنا الكبير، حيث يعقب على ما اقترحته من حل قائلاً: "وهنا يحتاج الأمر إلى ما هو أكثر من العجب والدهشة، فهم يتحدثون عن آلية هم أول من رفضها، ويدافعون عن نتائج هم من انقلبوا عليها، فصار حالهم كقول الشاعر

(بتصرف)، كيف ترفض "آلية" وتقبل مثلها... عار عليك إذا فعلت عظيم. ألم يكن هناك استفتاء على الدستور من قبل؟! ألم تكن هناك انتخابات برلمانية ورئاسية سابقة؟! ألم ترفضوا كل ذلك ويتساءل ما الفرق؟".

ويجيب عن ذلك: "عذراً... أدركت الفرق... أعتذر مرة أخرى... الفرق يا قارئي العزيز هو في المفتاح... نعم لقد امتلكوا الآن مفتاح الصندوق وأصبح صندوقاً سحرياً، فأياً ما كانت مدخلاته فمخرجاته واحدة.

وعندما كان المفتاح في يد غيركم رفضتم الآلية وانقلبتم على نتائج الصندوق، واليوم بسبب أن المفتاح والصندوق صار ملك يمينكم تطالبون الآن بالاستفتاء". والواقع أن كاتبنا الكبير، وما يتمتع به من قلم رشيق وعناوين ساخرة لمقالاته، قد تجنى على كثير من الحقائق، منها:

الحقيقة الأولى: رحّبنا بنتائج الصندوق

فالحقيقة التي يعلمها الجميع، وينساها أو يتناساها كاتبنا الكبير، أن الجميع رحّب بنتائج الصندوق رغم الظروف والملابسات التي أحاطت بالانتخابات الرئاسية، والتي كادت تلغي العملية الانتخابية بأكملها، بعد أن كشفت أكثر من عشرين لجنة فرعية عن تزوير في أوراق الانتخابات التي وردت من المطبعة الأميرية ومطبعة الشرطة، وقد سُوِّدت لمصلحة الرئيس المعزول في المطبعتين، وقبل أن تفتح اللجان أبوابها، وهو ما يوصم العملية الانتخابية كلها بالتزوير، إلا أن لجنة الانتخابات الرئاسية أعلنت فوز الرئيس المعزول رغم كل ذلك.

وشاركت كل القوى السياسية والثورية والشعبية في الاحتفال بفوز الرئيس المعزول في "ميدان التحرير" وفي كل ميادين مصر.

الحقيقة الثانية: الرئيس المعزول رفض الاحتكام إلى الصندوق والمفتاح في يده

وقد تنكب كاتبنا الكبير الحقيقة أيضاً، لأن جماعة "الإخوان" والرئيس المعزول هما اللذان رفضا الاحتكام إلى الصندوق، والمفتاح في يدهم، فقد كانت كل مطالب "حركة تمرد" وكل مطالب القوى السياسية والشعبية، هي الاحتكام إلى الصندوق في انتخابات رئاسية مبكرة، تصحح مسار الثورة التي روى الشباب أرض مصر بدمائهم لأجل تحقيق أهدافها، التي لم يتحقق شيء منها طوال مدة حكم الجماعة، فضلاً عن سوء الإدارة والحكم في عهد الرئيس المخلوع.

الحقيقة الثالثة: تآكل شعبية الرئيس المتآكلة أصلاً

وهي الحقيقة التي كانت وراء رفض الرئيس المعزول وجماعته الاحتكام إلى الصندوق في انتخابات رئاسية مبكرة. ذلك أن الرئيس المخلوع، لم يكن له بين الجماهير شعبية أصلاً، وقليل من كانوا يعرفونه حتى من الجماعة ذاتها، ولا أدل على ذلك من أنه عندما أُعلنت نتائج الجولة الأولى، لم يحصل الرئيس المعزول إلا على 5.764.952 صوتاً، يمثل 11.45 في المئة من مجموع أصوات الناخبين المقيدين في جداول الانتخابات البالغ قدره 50.996.746 صوتاً. وفي انتخابات الإعادة التي جيَّر فيها حمدين صباحي- وغيره من الذين رشحوا أنفسهم في هذه الانتخابات- أصواتهم للرئيس المعزول، عندما طلبوا من أنصارهم انتخابه، ليس حباً فيه، بل كراهية في منافسه الفريق أحمد شفيق، ورغبة من الكثيرين في الانتهاء من الفترة الانتقالية ومن حكم العسكر، ومع ذلك لم يحصل الرئيس المعزول إلا على 25.96 في المئة من مجموع أصوات الناخبين المقيدين في جداول الانتخابات البالغ عددهم 50.958.794 صوتاً. فقد كانت هذه النسبة الضئيلة هاجس خوف لدى جماعة "الإخوان" ولدى الرئيس المعزول من أن تتدنى كثيراً، خصوصاً أن نسبة الحضور ستزداد كثيراً من نسبة الحضور في الجولة الأولى 46.42%، وعن نسبة الحضور في الجولة الثانية التي بلغت 51.85%، فكان خيارهم الأفضل هو التحدي بقوتهم المسلحة في جماعات الإرهاب التي زرعوها في سيناء وفي كل أنحاء مصر.

للحديث بقية إن كان في العمر بقية.