حول التقارب الإيراني - الخليجي
لأميركا وحلفائها الغربيين مصالح اقتصادية حيوية في منطقة الشرق الأوسط، وسياساتهم الخارجية في منطقتنا، كما هي في أي مكان آخر، ليست ثابتة بل تتغير باستمرار من أجل المحافظة على مصالحهم، ففي السياسة، كما يقال عادة، لا يوجد أصدقاء دائمون ولا أعداء دائمون بل مصالح ثابتة.لقد فرضت الأزمة الاقتصادية الرأسمالية الحالية، التي تفجرت بداية كأزمة مالية عام 2008، تغييرات جذرية في السياسات الخارجية للولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، حيث أجبرت الأزمة الاقتصادية الخانقة هذه الدول على تخفيض ميزانياتها العسكرية، وسحب أغلب قواتها العسكرية المتواجدة خارج حدودها، كما منعتها ظروفها المالية الصعبة من غزو دول أخرى عسكرياً، وهو الأمر الذي أجبرها على عقد صفقات سياسية علنية أحياناً وسرية في أحايين كثيرة مع دول كانت وسائل إعلامها تصفها على الدوام بأنها دول معادية كإيران، على سبيل المثال، التي، من المعروف، أن لها دورا سياسيا وميدانيا مؤثرا جدا في المنطقة، سواء في أفغانستان أو العراق أو سورية.
المصالح الاقتصادية للولايات المتحدة وحلفائها، التي أجبرتهم على تخفيض عدد قواتهم العسكرية في الخارج وعلى التقارب السياسي مع إيران، هي المصالح ذاتها التي جعلت مبيعات الأسلحة الضخمة لدول مجلس التعاون تستمر رغم أن تخفيف حدة التوتر في المنطقة من المفترض أن يترتب عليه منطقيا تخفيض صفقات التسلح الضخمة التي تستنزف ثروات شعوب المنطقة وخيراتها.لقد ترتب على التغير "الإيجابي"، الذي طرأ على العلاقات الأميركية - الأوروبية من جهة والإيرانية من جهة أخرى، تغير ملحوظ وسريع في العلاقات الإيرانية - الخليجية، كنتيجة طبيعية للتحالف الاستراتيجي والعسكري الذي يربط دول مجلس التعاون الخليجي بأميركا والاتحاد الأوروبي أيضا، لأن الصراع الدولي والإقليمي في المنطقة، كما ذكرنا مرارا، ليس صراعا طائفيا، كما يُروج المتطرفون من الجانبين، بل صراع مصالح ونفوذ.ورغم التحفظ عن بعض جوانب السياسة الخارجية الإيرانية وبعض التصريحات الاستفزازية التي تصدر من بعض المسؤولين الإيرانيين بين الفينة والأخرى، فإن إيران تبقى دولة جارة. ولأنه من المستحيل تغيير التاريخ والجغرافيا فإن من مصلحة شعبها مثلما هو من مصلحة شعوب دول مجلس التعاون أن تخف حدة التوتر في المنطقة ويعم السلام وتقام بين الدول علاقات حسن جوار ومصالح مشتركة، كي تتفرغ للتنمية وتحسين مستوى معيشة الشعوب التي من حقها أن تستفيد من خيرات بلدانها وثرواتها، بعد أن تم استنزافها خلال العقود الماضية في حروب عبثية وصفقات أسلحة ضخمة لا يستفيد منها إلا كبرى مصانع الأسلحة في الدول الرأسمالية ووكلاؤها وسماسرتها المحليون.