الاتحاد الخليجي والممانعة الإيرانية - العمانية

نشر في 16-12-2013
آخر تحديث 16-12-2013 | 00:01
 د. عبدالحميد الأنصاري يستقبل الخليج عامه الجديد وهو أكثر ازدهاراً وأرقى حياة وأعظم إشراقاً، لكن طموحات الخليجيين في غد أفضل، أعظم، وهو ما يدفعهم للتحرك وعقد اللقاءات مع الأطراف الإقليمية والدولية بهدف التكيف مع المتغيرات ومواجهة التحديات والمستجدات، وفي هذا السياق الحيوي تأتي سلسلة من المؤتمرات المعنية بقضايا أمن الخليج واستقراره ومستقبله، منها "حوار المنامة" و"التحديات والتحولات أمام الكويت" ومنطقة الخليج في العقد الحالي (2013 -2020) الذي نظمه قسم العلوم السياسية بجامعة الكويت، وندوة "الأمن في الخليج العربي" من تنظيم مركز الإمارات للدراسات الاستراتيجية بالتعاون مع مركز إكسفورد للدراسات الإسلامية.

 تناولت مراكز المؤتمرات التحديات التي تواجهها دول الخليج في صيغتها التعاونية منذ تأسيسها، مطالبة بتطويرها إلى صيغة أكثر وفاءً باحتياجات المرحلتين الحالية والقادمة، ولا شك أن الصيغة الاتحادية هي الأقدر على مواجهة التحديات الحاضرة والمستقبلة، ولكن لبعض دولنا رؤيتها المغايرة، وهذا ما جعل القمة الخليجية الـ34 في الكويت تؤجل مشروع الاتحاد إلى قمة الرياض.  أريد في هذه المقالة أن أنقل انطباعي عن رؤية الخليجيين في المؤتمرات التي حضرتها هذه السنة والسنة الماضية في البحرين، إلى مستقبل الخليج ومستقبل الأجيال القادمة، ورؤية الخليجيين جميعاً أن "الاتحاد" ضرورة، فعالم اليوم والغد عالم الاتحادات والتكتلات السياسية والاقتصادية القوية، قبل 23 عاماً ارتأى الآباء المؤسسون قادة الخليج، الصيغة التعاونية، أساساً لمنظومتهم، ولكن كان حلمهم وحلم الخليجيين أن تتطور تلك الصيغة التعاونية إلى الاتحاد، فكان الآباء، القادة الحكماء، يضعون اللبنة الأساسية في مشروع تحقيق الحلم الخليجي الاتحادي. عبدالله بشارة ذكر في سفره الضخم الممتع "يوميات الأمين العام لمجلس التعاون 1981-1993"، وهو الكتاب الذي يؤسفني أن أقول إن معظم أساتذة وطلبة أقسام العلوم السياسية بالجامعات الخليجية، لم يطلعوا عليه ولم يدرسوه، ولم يتخذوه مرجعاً أساسياً لأبحاثهم في الشأن الخليجي، ذكر الدوافع التي حركت القادة لإنشاء المجلس، ومنها: الترهيب العراقي للخليج بعد عزل مصر، سقوط الشاه وتصدير الثورة الإسلامية، التمرد الظفاري اليساري، غزو روسيا لأفغانستان والتغيرات الدولية، المحيط الأيديولوجي المعادي للخليج، الحرب العراقية الإيرانية وتداعياتها على الحدود الجغرافية الخليجية.

 لكن الأهم، وكما يقول بشارة "توفر القناعة الجماعية الخليجية بضرورة بناء نظام خليجي سياسي يرتكز على التراث ويحمي الثوابت الخليجية ويساهم في ترسيخ أمنها واستقرارها"، لكن الظروف الإقليمية والدولية لم تكن لتسمح للخليجيين بغير تلك الصيغة التعاونية، كانت الجارة المسلمة على الضفة الأخرى من أشد المناوئين لأي تجمع خليجي حتى في أبسط صوره وهو "التعاون"، ربما استشعرت في التجمع الخليجي ما يشكل عقبة في وجه طموحاتها الخارجية، وربما لا تريد كياناً خليجياً قوياً بجوارها ينافسها تطلعاتها ومكانتها.

 علينا تفهم هذه المشاعر فهي إفرازات طبيعة الجوار التي تولد احتكاكا وتنافسا سياسياً واقتصادياً مستمراً، لكن في المقابل علينا السعي لاحتواء مشاعر إيران السلبية وتحويلها إلى إيجابية، وهذا لن يتحقق إلا إن انفتحنا على إيران: شعباً ولغة وثقافة وإعلاماً وأطيافاً وطوائف مجتمعية. نحن حتى اليوم نجهل إيران، ونجهل أسلوب اتخاذها القرار، نحن نعرف إيران عبر وكلائها في المنطقة وآثارها السلبية في العمق العربي، لكننا لا نعرف إيران من الداخل، معرفتنا بإيران معرفة بالسلب لا الإيجاب، بينما تعرف إيران لغتنا وثقافتنا وأمزجتنا وخلافاتنا ومواطن الخلل في بيتنا الخليجي والعربي، فتتسلل بينها وتتخذ أعواناً ووكلاء، فعلينا أن نطبع علاقاتنا ليس فقط تجارياً ودبلوماسياً بل ثقافياً وتعليمياً واجتماعياً. نحن أولى بمعرفة جارتنا من الدول الكبرى، علينا أن نطمئن إيران بأن تجمعنا لا يستهدفها، ليس تجمعاً سياسياً أو أمنياً ضدها، إنما هو حلم كل مواطن خليجي في أن يرى الخليج موحداً، هو حق طبيعي لكل جماعة بشرية في أن تختار ما يحقق أهدافها من غير إضرار بالآخرين، علينا إفهام إيران أن الاتحاد لا يشكل قوة أمنية ضدها ولا هو لدرء مخاطرها ومنع تدخلاتها، ولكن لأن الاتحاد أقدر على معالجة الأزمات التي يواجهها الخليجيون أنفسهم فيما بينهم، انظر كيف استطاع الأوروبيون احتواء الأزمة الاقتصادية التي عصفت ببعض دولهم، هل كانوا قادرين على تجاوزها لولا اتحادهم؟! لماذا يكون من حقهم ذلك، ولا يكون من حق الخليجيين؟! الآن ماذا عن الممانعة العمانية للاتحاد وقنبلتها التي انفجرت قبيل القمة الخليجية 34، وتهديدها بالانسحاب، هناك من رأى فيه طعنة في الظهر، واختراقاً إيرانياً للمنظومة، فصوبوا سهام النقد الحادة لشقيقتهم وأكثروا من اللوم والاتهام، لكن هلا ترفقنا بالشقيقة عمان، وهلا تفهمنا مبرراتها:

1- إيران لم تكن مرحبة بالتعاون الخليجي منذ البداية وكانت تتعامل مع دول الخليج فرادى، وتردد بأن المنظومة الخليجية فاشلة وكانت تعمل دائماً على عدم تطوير الخليجيين لمنظومتهم بأي وسيلة، ونجحت في جذب عمان إلى صفها عبر اتفاقية عدم الاعتداء.

2- علينا ألا نهول من القضية ولا نحمل الأمور أكثر مما تحتمل، فالصيغة التعاونية التي قام عليها المجلس، تتيح تنوع الاجتهادات واختلاف الرؤى، بناءً على قاعدة "نتعاون فيما اتفقنا ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا".

3- الرفض العماني ليس جديداً فقبل 18 شهراً صرح "بن علوي" أنه لا يوجد اتحاد خليجي، وأن ما يدور حوله مجرد أفكار وتمنيات، صحيح أن التوقيت هذه المرة كان سيئاً جداً كما أن التهديد بالانسحاب غير مبرر، لأنه لا يوجد ما يلزم عمان به، وكان رد الأمير تركي الفيصل موفقاً بقوله "من حق عمان أن تعبر عن رأيها ولها أن تلتحق بالاتحاد الآن أو لاحقاً أو لا تلتحق به، ولكن ذلك لن يمنع قيام الاتحاد".

4- علينا تفهم وجهة نظر عمان وتحفظاتها السياسية والأمنية والاقتصادية واستيعابها، لهذا أكد محمد أبو الحسن، المستشار بالديوان الأميري في الكويت، أن وجهة نظر عمان ستناقش من القادة، وسيكون هذا من شأنه أن يعجل بتهيئة الأسباب التي تعجل بإطلاق الاتحاد، وذلك بوضع الأسس الكاملة ضماناً لنجاحه، لأنه من السهل تسمية المجلس بالاتحاد ولكن إن لم تتوافر له الأرضية القوية فسيكون مجرد تسمية.

5- يمكن للاتحاد الخليجي أن يأخذ صيغة مرنة، تتيح لعمان حرية الحركة بما لا يتعارض مع التزاماتها الأخرى، وعندنا نموذج الاتحاد الأوروبي الذي أتاح لبريطانيا الاحتفاظ بعملتها وعدم الانضمام لمنطقة اليورو، ومن اطلع على مقالة "أنا لست خليجياً" لـ"د.سيف المعمري" يتفهم أسباب رفض عمان.

6- عمان لا يمكن لها أن ترفض الاتحاد بالمطلق إذا تهيأت ظروفه وعوامله الأساسية، فهي موقعة على وثيقة تأسيس مجلس التعاون المتضمنة للاتحاد كهدف نهائي، وسبق لعمان أن عرضت في مناسبات سابقة رؤيتها الوحدوية، بل كما يقول "بن هاشل" عمان أول دولة نادت بالوحدة الخليجية 1979م.

 7- أخيراً: ما تحقق في القمة الكويتية يبشر بالخير وطبقاً لأحمد عبدالملك في مقالته القيمة "قمة الكويت غير" لأنها: احتضنت لأول مرة رأي المواطن الخليجي كما احتضنت الشباب إضافة إلى تكليف الأمانة العامة بالتواصل مع الكتاب الخليجيين الذين ظلوا مهمشين يؤذنون في خرابة رغم حبهم للمجلس، إضافة إلى بناء المنظومة الدفاعية المشتركة، لا شك أن هذه المكاسب تساهم في تحصين البيت الخليجي ويبقى أن تفعل بشكل جيد.

 * كاتب قطري

back to top