اليتيمتان
![مجدي الطيب](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1458322261627985900/1458322269000/1280x960.jpg)
تفرّق الأقدار بينهما، ويصبح كل همّ السيناريو والمخرج افتعال مواقف تؤجل اللقاء، ما يسمح بدخول شخصيات كثيرة، والاقتراب من شرائح اجتماعية مختلفة؛ مثل {عادل} (نبيل الألفي) ابن الطبقة الأرستقراطية، بائع الصحف الأعرج {محروس} (فاخر فاخر) وشقيقه البلطجي {عباس} (محمد علوان) وزوجته الراقصة {نرجس} (زوزو محمد) والأم الشريرة (نجمة إبراهيم)، ليجد المشاهد نفسه وسط طوفان من أحداث لا يغيب عنها التشويق ولا تنقصها الإثارة، فضلاً عن حبكة درامية متقنة، وإيقاع لم يختل سوى في لحظات، ومبالغات أصبحت سمة لمدرسة أسسها وأدارها بامتياز حسن الإمام!المثير أن شارة {اليتيمتين} لم تُشر مُطلقاً إلى أن السيناريو مأخوذ عن رواية {الولدان الشريدان} لأدولف هنري ويوجين كورمون، بينما نوهت إلى أن التصوير أداره جوليو دي لوكا، وأن الفيلم تضمن أربع أغانٍ أطرفها، في رأيي، {اتمخطري يا معزتي} من تأليف مأمون الشناوي وألحان عزت الجاهلي، وجرى توظيف بقية الأغاني ({المناديل}، {أنا مالي وإحنا هنا}، تأليف كل من فتحي قورة وإبراهيم كامل رفعت، وألحان كل من عزت الجاهلي وإبراهيم فوزي وأحمد صبره) في مكانها الصحيح، ومن ثم أكدت الموقف الدرامي وأكملت رسالته، ولم تكن عالة عليه أو عطلت تدفقه، حسبما جرت العادة! مفارقة أخرى مثيرة تمثلت في أن المخرج الذي عُرف بإدارته الناجحة للممثل، عجز عن إقناع المتلقي بأن الوجه الجديد نبيل الألفي يملك موهبة من أي نوع، وربما لهذا السبب اعتزل السينما بإرادته واتجه إلى المسرح ليصبح أحد أهم مخرجيه، الأمر الذي تكرر مع محمد علوان، الذي تأثر كثيراً بالدبلوم من المعهد العالي للتمثيل (الفنون المسرحية في ما بعد)، وغلب على أدائه النهج المسرحي، كالصراخ والزعيق، مع استخدام مفرط لليدين، ولما فشلت التجربة اتجه إلى العمل الإعلامي ليصبح {إمبراطور الإذاعة}! في المقابل، نجح المخرج حسن الإمام في استغلال البيئة الريفية التي أتيحت له، وقدم لغة بصرية ثرية، مثلما حالفه التوفيق في تصوير الأغاني الأربع، وبانتقال الأحداث إلى القاهرة استمر التوفيق، ووظف الموسيقى العالمية التي اختارها بعناية لتكثيف جرعة الإثارة والتشويق. لكنه بدا، على الجانب الآخر، مولعاً بالخطابة، ومفتوناً بتقديم «الحدوتة» التي تحمل عظة وعبرة للناس؛ فالدنيا في ظنه ضيقة مثل «خرم الإبرة»، ولديه يقين أن «الله قد يجمع الشتيتين بعدما ظنا أن لا يلتقيا». ولا يتردد في توظيف الآيات القرآنية لتوصيل رسالته الأخلاقية إلى الجمهور، كما فعل في المشهد الذي تركت فيه «نعمت» مصيبتها التي تنوء بحملها الجبال، وراحت تلقن الراقصة درساً في أهمية التوبة النصوح، وتلت عليها الآية 8 من سورة «التحريم»، وهو أسلوب مدرسي تجاوزته السينما المصرية بعد ذلك كما تجاوزت أكذوبة النهاية السعيدة التي ينبغي أن تُختتم بها أحداث الفيلم حتى لو جاءت عكس المنطق، ولا تتفق وطبائع الأشياء؛ فالبطلة «نعمت»، التي كف بصرها نتيجة موقف درامي ساذج تسترد بصرها بصورة أكثر سذاجة، وها هي تعود إلى أحضان أمها، فيما يلاقي الأشرار مصيرهم المحتوم إما بالموت أو بالقبض عليهم، ويُجازى الأخيار عن صدقهم، وسيرهم على الصراط المستقيم. وربما ينتهي الفيلم بزواج غير متكافئ، كما أوحت النهاية المفتوحة لفيلم «اليتيمتين»؛ حيث تعانق «نعمت»، بعد أن رُد إليها بصرها، «محروس» الأعرج، وكأنها ممتنة لمؤازرته لها، وهي كفيفة، في حين أن مأساة الفيلم كان سببها أمها التي أحبت شاباً فقيراً!