في الوقت الذي تستمر مخالفات رجال وزارة الداخلية بالقبض والتفتيش على المواطنين دون الحصول على إذونات من الجهات القضائية المختصة، كالنيابة العامة أو الإدارة العامة للتحقيقات، يتساءل المواطنون والمقيمون عن الإجراء الذي بالإمكان فعله لمنع رجال الشرطة من تفتيشهم، إلا بعد الحصول على إذن من النيابة العامة أو إذا توافرت الشبهات التي استلزمها القانون لاستيقافهم.

Ad

وبقدر منح قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية سلطات واسعة لرجال الأمن رغم أنه استثناء من الأصل العام، وهو عدم المساس بحرياتهم الشخصية وبأحقيتهم بالتمسك برفض التفتيش إلا بإذن من الجهات القضائية في البلاد، إلا أن بعض تصرفات رجال الأمن محت هذا الاستثناء وجعلت الأصل العام هو التفتيش المطلق، والاستثناء هو الحصول على إذن من الجهات القضائية، ما فتح باب الانتهاكات للحريات الشخصية على مصراعيه بما يخالف نصوص المادة 30 من الدستور، التي تؤكد أن الحرية الشخصية مكفولة، والمادة 31 من الدستور التي تؤكد عدم جواز القبض والتفتيش إلا في الحالات التي نص عليها القانون.

وعلى الرغم من إصدار المحاكم الجزائية لمئات الأحكام القضائية ببطلان إجراءات القبض والتفتيش التي يجريها رجال الأمن لمخالفتها الإجراءات التي رسمها القانون، إلا أن الانتهاكات الإجرائية مازالت مستمرة دون أدنى محاسبة إدارية أو جنائية على الضباط والأفراد المخالفين.

حالات محددة

ويقول نائب رئيس جمعية المحامين الكويتية المحامي وسمي الوسمي ان قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية ذكر حالات محددة، على سبيل الحصر تسمح لرجال الأمن بالقبض والتفتيش وإذا ما تجاوز رجال الأمن تلك الإجراءات أصبحت إجراءاتهم مخالفة.

ويضيف الوسمي قائلا: «ان على المواطن الكويتي أو المقيم أن يسأل لدى إيقافه سواء في التفتيش العادي الذي تجريه نقاط التفتيش في الشوارع أو حتى بمناسبة تحريات لدى رجال المباحث الجنائية عن وجود إذن بذلك من الجهات القضائية المختصة بالدولة وإلا عليه رفض تفتيشه من قبل رجال الشرطة».

ويوضح الوسمي قائلا «ان تمسك المواطن أو المقيم بضرورة اطلاعه على إذن بالتفتيش عليه أو سيارته أو مسكنه هي ضمانة كفلها له القانون والدستور ويجب أن يتضمن الإذن اسم المطلوب تفتيشه وكذلك اسم الشرطي الذي يجريه، واسم وتوقيع وكيل النيابة أو المحقق بحسب نوع الجريمة المشتبه فيها المواطن أو المقيم».

ويبين الوسمي قائلا «إنه في حال قيام الشرطي بتفتيش المواطن أو المقيم عنوة أو مارس القسوة بحقه بأي شكل من الاشكال فله أن يتقدم ببلاغ ضده يشرح فيه كل أنواع مظاهر القسوة التي تعرض لها من قبل رجل الشرطة، كما له أن يتقدم بشكوى إلى جهاز الرقابة والتفتيش التابع لوزارة الداخلية للتحقيق مع الشرطي».

ويقول الوسمي انه «سبق للقضاء أن قام بمحاكمة عدد من رجال الأمن المتهمين بممارسة القسوة، وانتهاك حقوق المتهمين وصدرت أحكام بحق بعضهم بالحبس بعد أن تمت إدانتهم بتلك الجرائم لكون الدستور والقانون يعتبرها من الحقوق والضمانات التي يجب أن يتمتع بها المتهم».

بدوره، يقول المحامي مهند الساير ان أي شخص قد يتعرض أثناء قيادته مركبته للاستيقاف من قبل رجال المرور أو نقطة التفتيش، ويطلب منه أن يتم تفتيش مركبته دون وجود إذن من النيابة العامة بتفتيشها، يحق له أن يرفض تفتيش مركبته، ولا يحق لرجال المرور تفتيشها عنوة، وفي حالة التفتيش عنوة ودون وجه حق جاز للشخص مواطنا كان أو مقيما التقدم بشكوى على من يقوم بهذا الفعل ويعرضه للمساءلة القانونية.

«الميموني»

ويقول الساير ان حادثة الاعتداء على المرحوم محمد غزاي الميموني عالقة بالأذهان بعد أن مورس بحقه الكثير من المخالفات القانونية، ومنها قيام رجال المباحث والشرطة بتفتيش مركبته دون إذن، وهو بالتالي إجراء خاطئ ترتب عليه البطلان.

ويضيف الساير: «وكما أتى حكم المحكمة الذي أسس هذا المبدأ وهو عدم جواز تفتيش المركبة دون وجود حالات التلبس كما وضحها القانون أو وجود إذن من النيابة العامة فإنه يتعين على رجال وزارة الداخلية الالتزام بهذا المبدأ وعدم مخالفته، وكما ذكرنا يحق لكل شخص رفض تفتيشه مهما كانت محاولات إرغامه على قبول أمر تفتيش مركبته، ويكون الامتناع بأن يذكر له شفاهة بأنه لا يرغب بأن يتم تفتيش مركبته وإذا أصر رجال المرور أو غيرهم من رجال الداخلية فله أن يتقدم بشكوى بحقهم دون الدخول معهم في أي منع جسدي لهذا التفتيش أو سجال معهم».

ضمانات عديدة

أما د. جاسم البطي فقال ان القانون أحاط المواطن بالعديد من الضمانات، وهي أن من يقوم بتفتيشه رجال مختصون بالتفتيش ويحملون أذونات من قبل النيابة العامة أو الإدارة العامة للتحقيقات، وعدم التزامهم بتلك الإجراءات يعرضها للبطلان، مضيفا ان التفتيش بدون إذن يترتب عليه البطلان حتى لو تم العثور على مواد مجرمة من بعد هذا التفتيش الباطل خصوصا إن تمسك المتهم بالانكار، لافتا إلى أن محاكم التمييز أكدت في العديد من الاحكام الصادرة منها أن العدالة لا يضيرها إفلات مجرم من العقاب بقدر ما يضيرها الافتئات على حقوق الناس وحرياتهم وبالتالي فالأولى لدى المشرع والقضاء هو احترام حقوق الانسان وليس ضبط الجريمة.

ويبين البطي أن القانون كفل كذلك للمواطن حق تقديم البلاغ بحق رجال الأمن الذين مارسوا بحقه العنف أو القسوة من أجل القيام بالإجراء الباطل إلا أن الأمر يستلزم من الشخص عدم القيام بأي مظاهر للعنف تجاه رجال الأمن، لاننا سنكون أمام جريمة أخرى وهي تعدي الشخص على رجال الأمن ولذلك يتعين على المواطن الالتزام برفض التفتيش وتقييد بلاغ بحق الشرطي منتهك تلك الاجراءات حتى تتم محاسبته وفق مواد القانون المعاقبة لذلك.

الإلمام بالحقوق

‫من جانبه، لفت المحامي محمد جاسم دشتي الى ضرورة إلمام المواطنين والمقيمين بحقوقهم لضمان عدم تعدي رجال الأمن عليها، خاصة فيما يتعلق بالتفتيش كونه يمس كرامة الشخص ويجرح كبرياءه ويعرضه لأذى نفسي بعدم ثقة المجتمع بشخصه، لذا لا يجوز التفتيش ولا يصح بغير حال الجريمة المشهودة التي يبصرها رجل الأمن بحواسه، ولا يجوز التفتيش إلا في حالتين هما أولاً وجود إذن صادر من وكيل النائب العام او من محقق في وزارة الداخلية، وعلى المخاطب بهذا الإذن رؤيته، للتأكد من صحة بياناته وأنه هو المقصود به، وثانيا هو الرضا بالتفتيش دون إكراه ولا تهديد أو وعيد، وفي جميع الأحوال إذا ارتكب رجل الأمن تفتيشاً على شخص او مركبة دون إذن سابق من محقق مختص، ودون رضا فإن ذلك يشكل جريمة معاقب عليها وفقا لنص المادة (120) من قانون الجزاء «كل موظف عام استعمل سلطة وظيفته لمجرد الإضرار بأحد الأفراد يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تجاوز ثلاثة آلاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين.

ويضيف دشتي قائلا: أما إذا تعلق التفتيش بمسكن فإن دخوله من قبل رجال الأمن دون إذن من محقق مختص ودون رضاء من صاحبه فإن ذلك يرتب مخالفة لنص المادة 122 من قانون الجزاء التي تنص على «كل موظف عام دخل مسكن أحد الأفراد دون رضائه، في غير الأحوال التي يحددها القانون، أو بغير مراعاة الإجراءات المبينة فيه، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تجاوز ثلاثة آلاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين».

 بقي أن نشير الى ضرورة تقديم شكوى للإدارة العامة للتحقيقات او لأحد المخافر المختصة مكانياً بالسرعة الممكنة بعد وقوع مثل هذه الإجراءات، فإذا تم منع المجني عليه لأي سبب من تقديمها فعليه تقديمها لدى مكتب النائب العام والاستعانة بمحام.