نمو كلفة تشغيل الطاقة إلى مستوى يلتهم 14% من إجمالي المصروفات يتزامن مع المخاوف التي تعبر عنها تقارير حكومية كالمجلس الأعلى للتخطيط أو صندوق النقد الدولي، والتي تشير إلى عدم قدرة الكويت على تحقيق أي فوائض مالية بين عامي 2017 و2020، وما يتبع ذلك من عجز.
يبدو ان عقبة حل الازمة الاسكانية لا تقتصر فقط على توفير الاراضي او مواد البناء او العمالة او حتى الشركات المنفذة بل تمتد لتشمل واحدة من اهم العقبات وهي الكهرباء والماء.فمشكلة الطاقة الكهرومائية وارتباطها بالسكن الخاص لا تتعلق فقط بحجم الطاقة الكهربائية او المائية التي يمكن حلها ببناء محطات جديدة، بل بكلفة الانفاق السنوي على دعم هذه الطاقة سنويا والتي ستزداد كلما انجزت وحدات سكنية اكثر.فالكويت تنتج اليوم 14 الف ميغاوات بكلفة تصل الى 2.4 مليار دينار بما يعادل استهلاك 10% من انتاج النفط، ولذا فستحتاج الى 14 الف ميغاوات جديدة، ما يعني حاجتها إلى 28 الف ميغاوات، لتتمكن من توفير الطاقة الكهربائية لنحو 108 آلاف وحدة سكنية، ناهيك عن فاتورة دعم المياه التي توازي 600 مليون دينار، مما يصل بإجمالي الدعم في هذين القطاعين الى 3 مليارات دينار، وهو ما يعادل نحو 14% من اجمالي النفقات المقدرة في الميزانية العامة للدولة.الا ان الكلفة الحالية، رغم ثقلها على الميزانية، لا تتخطى ثلث التكلفة المطلوبة عندما ترتفع كلفة دعم فاتورتي الكهرباء والماء في عام 2030 الى 9 مليارات دينار، بما يوازي 20% من انتاج النفط في تلك السنة وسط معدل نمو سنوي يبلغ 8% لاستهلاك الطاقة الكهربائية و5% لاستهلاك المياه.تكاليف الاستهلاكوالتكلفة الحالية للاستهلاك تتحمل الدولة منها 93% والباقي على المستهلك، اذ تبلغ كلفة الكيلو وات من الكهرباء 38 فلساً في حين يدفع المستهلك فلسين فقط، بغض النظر عن حجم الاستهلاك وبغض النظر ايضا عن الغرض من الاستهلاك، سكنياً كان او تجاريا او استثمارياً، كما تدفع المصانع فلساً واحداً فقط، وهو امر كان مقبولا عندما كانت الدولة تشجع على الصناعة في الستينيات والسبعينيات، لكن اليوم ينبغي التعامل مع الامر بشكل تجاري اكثر لمصلحة الدولة.وما يحدث في الكهرباء يتكرر ايضا في المياه، فكل 1000 غالون مياه امبراطوري يكلف الدولة 10 دنانير، بينما يباع للمستهلك بـ 800 فلس دون اعتبار لنوع او شريحة الاستهلاك بكلفة اجمالية تلامس 600 مليون دينار.نمو متصاعدنمو كلفة تشغيل الطاقة في الكويت الى مستوى يلتهم 14% من اجمالي المصروفات يتزامن مع المخاوف المحلية والدولية التي تعبر عنها تقارير حكومية كالمجلس الاعلى للتخطيط او تلك التي يصدرها صندوق النقد الدولي والتي تشير الى عدم قدرة الكويت على تحقيق اي فوائض مالية بين عامي 2017 و2020، وما يتبع ذلك من عجز في المصروفات، وبالتالي يجب الاعتراف بأن الاستمرار بالوضع الحالي في آليات دعم الطاقة للمستحقين وغير المستحقين لا يمكن ان يستمر.بالطبع يرجع ارتفاع كلفة تشغيل الكهرباء والماء، حتى باتا محورا ضاغطا على تلبية الطلبات الاسكانية، الى قلة البدائل المتوفرة في معالجة هذا الملف, فمثلا لا يمكن قبول ان يتساوى دعم "الكيلو وات" او غالون المياه الامبراطوري في السكن الخاص مع القطاعين التجاري والاستثماري، إذ من المفترض ان يدفع المستثمر سعرا أعلى بكثير من اسعار المستهلكين الافراد وهو الامر نفسه في التعامل مع المصانع التي تدفع فلسا واحد للكيلو وات، فلا يعقل ان يستمر الدعم الحكومي لها منذ الستينيات حتى اليوم، وإن كان تحت ذريعة تشجيع الصناعة.شرائح وسلوكوإضافة إلى ذلك فإن استهلاك المنازل يجب ان يرتبط بشرائح كي يمكن ترشيد الدعم الذي كلما تم ضبطه جاء ذلك في مصلحة الميزانية، فترك الاستهلاك مفتوحا دون ضوابط مهما ارتفع، بفلسين لكليو وات الكهرباء و800 فلس لكل 1000 غالون امبراطوري، سيشجع على السلوك الاستهلاكي غير المسؤول الذي سيستنزف الكثير من قيمة الدعم، لذلك يجب العمل سريعا على تحديد شرائح تصاعدية للاستهلاك يراعى فيها حجم الاسرة ومستوى الدخل، وهو ما يهدف إلى تحقيق هدفين هما تخفيض الاستهلاك، وبالتالي دعم وتعظيم ايرادات الخدمات.الطاقة الشمسيةكذلك يجب الخروج عن التفكير التقليدي في توفير الطاقة للمدن الجديدة، فكما تم امس الاول تشغيل 70% من طاقة وزارتي الكهرباء والاشغال بما يوفر على الدولة سنويا مبلغا زهيدا يوازي 100 الف دينار، فإنه يمكن تعميم هذه التجربة وتوسيعها بشكل اكبر في الكويت لتشمل 50% من المدن الجديدة خصوصا ان الكويت بدأت بالتفكير في استغلال الطاقة الشمسية منذ نهاية السبعينيات ولم تصل الى اليوم الى اكثر من العمل على مشروع مجمع الشقايا للطاقة المتجددة الذي سيوفر على الكويت 12 مليون برميل نفط سنويا، اي ما يعادل انتاج 4 ايام من النفط فقط، وهو رقم ضئيل جدا في استثمار الطاقة الشمسية مقارنة باستثمارات دول الخليج الاخرى.فالسعودية اعلنت قبل عام ضخ 100 مليار دولار في بحوث ومشاريع الكهرباء المتجددة، معظمها في الطاقة الشمسية وسط مساعٍ لتصدير الكهرباء المولدة من محطات الطاقة الشمسية إلى أوروبا خلال 20 الى 25 عاما مقبلة، بينما تتجه قطر إلى ان يكون ما بين 18 إلى 20% من طاقتها المستخدمة بحلول 2018 من الطاقة الشمسية، في حين تسعى الإمارات الى بلوغ ما يناهز 10% من هذه الطاقة.لذلك فإن العمل على توفير الطاقة الشمسية التي تكون كلفتها الاساسية مرة واحدة افضل بكثير من دفع مليارات طائلة واستخدام ما بين 10 الى 20% من انتاج النفط سنويا في دعم الكهرباء.هيكلة المساكنكذلك يجب العمل على اعادة هيكلة المساكن في المدن الجديدة لتصبح اقل استهلاكا للطاقة الكهربائية وتوفير حوافز للسكن في الشقق او المساكن الاصغر حجما (Townhouse) عبر تقليل سنوات الانتظار، او ان يكون هامش شرائح الكهرباء افضل لاصحاب المساكن الصغيرة من غيرهم اصحاب المساكن الاكبر حجما، فضلا عن مميزات اخرى في الخدمات تكون حافزاً لتسويق هذه النوعية من المساكن.يجب الاعتراف بأن المضي في السلوك الحالي الخاص في ملف الطاقة - بغض النظر عن الملفات الاخرى - بات اشبه بالمستحيل، فلم يعد بوسع الميزانية رغم كل الانتقادات حول هيكلتها والية انفاقها استمرار الدعم بهذه الطريقة على خدمات الطاقة، وهو امر يعني استحالة توفير عدد منازل جديدة يوازي تقريبا عدد المنازل القائمة حاليا لذلك لا بد من "حزمة " من الحلول التي تعيد التوازن للميزانية مرة اخرى وتدعم عملية نمو الايرادات غير النفطية فضلا عن تخفيض حجم الاستهلاك.
آخر الأخبار
تقرير اقتصادي: عقدة القضية الإسكانية... كلفة الطاقة الكهرومائية
08-05-2014