«داعش»... والفكر الفاحش!
ظهور تنظيم "داعش"، وهو اختصار لـ"مشروع الدولة الإسلامية في العراق والشام"، بهذا الشكل المفاجئ مع نجاحات عسكرية وميدانية مباغته أثار زوبعة من التحليلات السياسية والتكهنات المفتوحة حول مستقبل هذه المجموعة المسلحة، ودورها في إعادة رسم الخريطة الجغرافية في المنطقة.للتعرف على بعض ملامح هذا التنظيم المريب نجد أنه على درجة كبيرة من التسلح العالي الجودة، ومن مصادر مختلفة منها الولايات المتحدة وإسرائيل، ويمتلك ميزانية ضخمة من الإيرادات النفطية والتحويلات النقدية، الأمر الذي يعني تعامل هذا التنظيم مع حكومات ومؤسسات رسمية، حتى احتلال الموصل لم تحمل ميليشيات "داعش" السلاح في وجه الأنظمة السياسية بل كانت تقاتل جماعات إسلامية أخرى وتحديداً من نفس الفكر السلفي خصوصا "القاعدة".
وأخيراً نجح هذا التنظيم في حشد المقاتلين وبعشرات الآلاف بدءاً من دول آسيا الوسطى وشبه القارة الهندية، مروراً بالدول العربية والخليج وانتهاءً بأوروبا، والتنقل بهم من أفغانستان إلى سورية وتركيا والعراق مع كامل أسلحتهم الثقيلة بكل حرية، مع التمركز في مدن وأقاليم واسعة عبر شهور طويلة دون أن تثير أي شبهة أو أي نوع من المعلومات الاستخباراتية، ثم تظهر فجأة كقوة ضاربة وفاتحة، فكيف يعقل كل هذا؟ هذه المعطيات قد تفسّر "داعش" بأنه صنيع تناقضات عدد كبير من الدول الإقليمية ومعها أوروبا وأميركا، لتصفية حساباتها عبر مقاتلي هذا التنظيم الإجرامي، فوجود "داعش" شبه قوي نسبياً من شأنه أن يرعب ويبتزّ الحكومات عبر الحاضنات الشعبية والفكرية المؤدية له، بالإضافة إلى هزيمة القوى الدينية المسلحة التقليدية كـ"القاعدة" و"النصرة" التي انتهت صلاحيتها وفشل مشروع الدولة الذي كانت تخطط له. في إطار هذا التحليل يبدو أن نفس الحكومات الداعمة لـ"داعش" وفق أجنداتها الخاصة وتحويلها إلى أداة للضغط السياسي باتت تشعر بخطره، وربما الإعلان عن "داعش" في وسط العراق والموصل هو المقبرة التي سيدفن فيها بمشاركة جماعية، يتحول فيها الأعداء إلى أصدقاء.هذا لا يعني أن "داعش" لا يملك رصيداً شعبياً في الوسط السني، وأن قادته يحملون مشروعاً سياسياً تم الإعلان عنه، فـ"داعش" يروج لفكر فاحش يستميل المتطرفين والتكفيريين، ويترجم مشاعرهم عبر الجرائم المروعة التي يرتكبها مقاتلوه بحق الأطفال والمدنيين، ويوثّقها بالصورة الحية ويروجها عبر العالم.إذا كانت هناك حسنة للظهور المفاجئ لـ"داعش" في محافظة نينوى العراقية ونشر خريطة دولته المرتقبة فهي كشف بعض الرؤوس والشخصيات التي كانت تختبئ خلف شعارات الدين والتقوى، فقد استعجل هؤلاء مبايعتهم لهذا المشروع الشيطاني مع أول انتصار مزعوم لم ينتظروا تأكيده واستمراره، فاحتفلوا مبكراً وراحوا يهددون ويتوعدون الحكومات والشعوب، فكم هي مريضة هذه النوعيات؟! وكم هي كلفة التخلص ليس من جيش "داعش" ولكن من فكره الفاحش؟!