تيسير السياسة النقدية الأميركية يغذّي نمو الثروة

نشر في 23-11-2013 | 00:01
آخر تحديث 23-11-2013 | 00:01
بعد خمسة أعوام من الانهيار، من الواضح أن التسهيل الكمي من «الاحتياطي الفدرالي» لا يدور حول انتعاش اقتصادي حقيقي، وإنما هو سعي لتوليد سيولة تزيد من تضخم الأصول والنمو القائم على الثروة، أو النمو القائم على الأشخاص الأثرياء جداً، بما أن الأجور والدخول للبقية منّا لا ترتفع على الإطلاق.
عندما تكون عوائد السندات الرواندية أقل من 8 في المئة، وتنقلب سندات إندونيسيا السيادية بمقدار 150 نقطة أساس، وتتذبذب الروبية الهندية بعنف في غضون أسابيع، بينما يحقق سوق الأسهم الأميركية مستويات قياسية جديدة في كل يوم، «رغم نمو الأرباح الباهت الذي لايزال سببه خفض التكاليف إلى حد كبير»، قد يستنتج بعض الناس أن الأسواق متقلبة وفقاعية.

مع ذلك، من الواضح أن كلاً من الرئيس الحالي لمجلس لاحتياطي الفدرالي بن برنانكي وجانيت يلين، المرشحة لخلافته، ليسا من ضمن القلقين.

لا تحتوي ملاحظات يلين، التي تم إعدادها لجلسات استماع التثبيت في الأسبوع الماضي، على تلميح عن الانسحاب التدريجي. وهذا يؤكد خوف البنك المهووس من تأثير الثروة السلبي في أي تباطؤ في عمليات شراء الأصول والتوجه نحو أسعار فائدة أعلى.

التسهيل الكمي

بعد خمسة أعوام من الانهيار، من الواضح أن التسهيل الكمي من «الاحتياطي الفدرالي» لا يدور حول انتعاش اقتصادي حقيقي، وإنما هو سعي لتوليد سيولة تزيد من تضخم الأصول والنمو القائم على الثروة، أو النمو القائم على الأشخاص الأثرياء جداً، بما أن الأجور والدخول للبقية منّا لا ترتفع على الإطلاق.

رغم فشل استعادة النمو بعد كل هذه الأعوام، فإن استجابة البنك هي الاستمرار بتكثيف الجهود، ما يعكس افتراضاً أن النمو قد يعود إلى سرعته السابقة مثلاً عند 3 في المئة سنوياً، مثلاً.

يعتقد العديد من المحللين أن النمو المحتمل سينخفض، ويقولون إن الافتراض في مكتب رئيس مجلس البنك، الذي يقول إن أداء الاقتصاد أقل من اتجاهه العام، مثل طفل صعب المراس يتصرف بسوء، هو افتراض يبدو مشكوكاً فيه على نحو متزايد. هناك عدة أسباب لهذا الشك. أحدها، انخفاض معدل المشاركة في سوق العمل، ما يجعل هدف معدل البطالة البالغ 6.5 في المئة غير واقعي أكثر بصورة متزايدة باستمرار.

حتى الثمانينيات، كانت النساء تدخل القوى العاملة بأعداد متزايدة، لكن هذا الاتجاه العام بات عكسياً، الآن. وفي الوقت نفسه، انسحب كثير من العمال، لأنهم يشعرون بالإحباط.

فضلاً عن ذلك، هناك تراجع في الإنتاجية. على سبيل المثال، لاحَظَ روبرت ميلمان، الاقتصادي في بنك جيه بي مورغان، في الفترة الأخيرة، أن الأمل في تحفّز قطاع التصنيع الانتعاش في الولايات المتحدة هو على الأرجح أمل غير واقعي، رغم السعر المنخفض نسبياً للغاز الطبيعي في البلاد واستخدام التكنولوجيا التي توفر اليد العاملة.

فائدة متدنية

الواقع أنه رغم أسعار الفائدة المتدنية، يبين الاستثمار الحقيقي في الهياكل لدى شركات التصنيع، أن الإنفاق تراجع بنسبة من خانتين على مدى النصف الأول من العام. التفسير الصحيح للارتفاع اليسير في التوظيف في ذلك القطاع، كما يقول ميلمان، ليس هو أن الطلبات في ارتفاع، وإنما السبب هو أن نمو الإنتاجية ضعيف نسبياً، مضيفاً أن: «تَراجعَ ناتج التصنيع، إذ لايزال دون 5 في المئة عن مستواه السابق الذي كان عليه في ذروة الدورة». إضافة إلى ذلك، تباطأ النمو في عدد الأسر، مع ما ينطوي عليه ذلك من مضامين لسوق الإسكان.

تعني سياسة «الاحتياطي الفدرالي» أن الشركات لديها حافز للدخول في عمليات شراء أسهمها وإصدار أرباح على الأسهم، «ويفضل أن يكون ذلك من أموال القروض»، بدلاً من الاستثمار في عملياتها. منذ المستوى الأدنى للنشاط، ارتفع النشاط من هذا القبيل بنحو 200 في المئة، وفقاً لبيانات من «سيتي غروب».

كل هذا يعني أن انقطاع الصلة بين أسعار الأصول المالية «خصوصاً أسعار الأسهم» وبين الاقتصاد الحقيقي، يظل واسعاً مثلما كان عليه الحال دائماً.

حتى نأخذ لقطة سريعة عما يبدو عليه العالم اليوم، لننظر إلى الأرباح التي فاقت التوقعات لدى شركة مايرسك AP Møller-Maersk للشحن، التي تعتبر انعكاساً للتجارة العالمية. تدور عملياتها اليوم جميعاً حول استيعاب المقدرات، وليس أخْذ الطلبات لإضافة المقدرات، وتعتبر أرباحها دليلاً على العمليات النشطة في تقليص التكاليف بدلاً من النمو الحقيقي.

قال نيلز أندرسن، الرئيس التنفيذي لشركة مايرسك: «لا نستطيع الاعتماد على التطورات في الناتج المحلي الإجمالي حتى تساعدنا. نحن بحاجة إلى عمل ذلك بأنفسنا».

سندات حكومية

للسيولة حدود بطبيعة الحال، وغالباً ما تطالب الأسواق المدمنة على السيولة بالمزيد من الحقن المحتوية على السيولة، حتى تحول دون تراجعها. على سبيل المثال، في اليابان نجد أن الأسواق تتوق الآن إلى جرعة جديدة من المال.

هذا رغم الحقيقة التي تقول إن بنك اليابان قرر مضاعفة مشترياته من السندات الحكومية اليابانية. كذلك من غير الواضح كيف سيدبر بنك اليابان إمكانية الإتيان بجرعة جديدة، في الوقت الذي يشتري فيه أصلاً مبالغ كبيرة جداً.

مع ذلك، بصرف النظر عن مدى عدم إنتاجية سياسات مجلس الاحتياطي الفدرالي في العالم الحقيقي، سيكون من الخطأ أن نعتقد أن هذا سينتهي خلال فترة قريبة، على الأقل في الولايات المتحدة. ما وراء عالم تضخم الأصول المالية، لا توجد علامة تشير إلى تضخم في أي مكان آخر -خصوصاً في الأجور- وهو وضع يمكن أن يُكرِه «الاحتياطي الفدرالي» على التخفيف من سياسته النقدية الميسّرة.

المستثمرون الذين يكسبون أكثر الأموال اليوم هم الذين يستخدمون الرفع المالي لتعظيم عوائدهم. كان أداء كثير من مديري صناديق التحوط دون المستوى، لأنهم لم يثقوا تماماً بسياسات البنك -وهو عنصر من المفارقة، بالنظر إلى أنه يُنظَر إليهم باعتبارهم لاعبين أشبه بالمقامرين. لقد انتقلوا من الاستثمار إلى التداولات قصيرة الأجل، والاحتفاظ بكميات كبيرة من الأموال السائلة. في المقابل، نجد أن مجلس الاحتياطي الفدرالي هو من يقامر الآن.

* (فايننشال تايمز

back to top