كشف التقرير الوطني للتنمية البشرية عن انخفاض الانجاز التنموي في الكويت ما ينذر بوجود ازمة حقيقية تعترض كل الجهود والخطط الرسمية الهادفة الى تطوير عجلة التنمية في البلاد.

Ad

وقال التقرير الذي صدر عن وزارة التنمية والتخطيط تحت شعار "التماسك الاجتماعي قاعدة التنمية وركيزة الوحدة الوطنية" ان اهم اسباب انخفاض الانجاز التنموي في البلاد يعود الى ضعف اداء النظام التعليمي وضعف تحصيل الطالب للكتابات الاساسية في المرحلة الابتدائية كما ان العائد التحصيلي المتواضع لا يتفق مع كلفة الطالب بهذه المرحلة التي تبلغ قرابة 10 الاف دولار اميركي. فضلا عن ارتفاع نسب الرسوب والتسرب الدراسي، وهي احدى اهم المشكلات التي تواجه التعليم في الكويت حيث وصلت الى مستويات مرتفعة نسبيا تنذر بان هناك مشكلة كبيرة قد تواجه النظام التعليمي في الكويت، حيث ان نسبة الرسوب في المرحلة الثانوية قد وصلت الى ما نسبته 7.9% اما نسبة التسرب المتحققة في المرحلة الثانوية فقد وصلت عند الذكور الى 15% والاناث 8%.

وأوضح التقرير ان من اهم اسباب الاخرى تتمثل في ـ ضعف معايير جودة التعليم وقصور الخدمات التعليمية وضعف القيادات المدرسية وضعف اعداد المعلمين وتأهيلهم وقلة ساعات العمل المدرسي مقارنة بالنماذج في دول اخرى نجد في هذا الصدد ان الساعات المخصصة للتعليم في الكويت تقل بشكل لافت عن نظيراتها في الدول الاخرى، وهي الاسباب التي تشكل احد مقومات ازمة التعليم في الكويت، فعلى سبيل المثال ان عدد الاسابيع المخصصة للتدريس في المرحلة الابتدائية في الكويت بلغ 33 اسبوعا بينما نجد ان متوسط اسابيع الدراسة يصل في دول اخرى الى 40 اسبوعا.

وقال التقرير ان هناك مسؤولين رفيعي المستوى كرسوا ظاهرة ما يسمي في المجتمع المحلي بقضية القرارات الانتخابية ويتلخص المثال في واقعة صدور مجموعة من القرارات خاصة بالتعيينات قام بها مجموعة من الوزراء النواب لاعتبارات شخصية وانتخابية حيث ساهم ذلك في التأثير السلبي على التنمية في البلاد. وفي ما يلي ابرز مضامين التقرير:

بداية يقول التقرير انه بمقارنة قيم المؤشرات الفرعية للعامين 2010 و2011 وهما العامان اللذان شهدا انخفاض الانجاز التنموي للكويت بعد التعديلات التي ادخلت على منهجية حساب دليل التنمية البشرية يتضح انه لم يكن هناك انخفاض في مجال الصحة او مجال مستوى المعيشة، ما يعني ان تعديل مستويات الانجاز ترتب على المؤشرات الجديدة التي تم اعتمادها لمجالات المعرفة كما تعكسها مؤشرات الانجاز في مجال التعليم، ما تحقق منه ـ متوسط عدد سنوات التعليم التي حصل عليها الافراد الذين هم في سن 25 فما فوق، وما يتوقع ان يتحقق منه عدد سنوات الدراسة التي يتوقع ان يتلقاها طفل في سن الدخول الى المدرسة مع افتراض بقاء انماط معدلات الالتحاق بحسب الفئات العمرية كما هي عليه، وتوضح المعلومات التفصيلية ان متوسط العمر ظل مستقرا عند حوالي 73.6 سنة منذ عام 2000، وان متوسط الدخل القومي الحقيقي للفرد ازداد من حوالي 40 الف دولار في عام 2000 الى حوالي 48 الف دولار في عام 2011.

انخفاض مؤشر الدراسة

واشار التقرير الى ان المعلومات التفصيلية توضح ان متوسط عدد سنوات التعليم التي حصل عليها الافراد في سن 25 سنة فما فوق في الكويت لم يشهد اي تحسن يذكر خلال الفترة تحت الدراسة، وظل يراوح مكانه مسجلا 6 سنوات دراسية للفرد البالغ وان مؤشر متوسط سنوات الدراسة المتوقع ظل ثابتا عند 12 سنة بعد ان سجل انخفاضا عن مستواه عام 2000 والذي كان 13 سنة، ونلاحظ في هذا الصدد ان ثبات هذين المؤشرين ربما كان بسبب عدم توافر المعلومات المسحية التي تعتمد عليها حسابات مثل هذه المتوسطات وان هناك شواهد من دول الخليج توضح امكانية تسجيل تقدم في هذا المجال للفترة قيد الدراسة. فعلى سبيل المثال سجلت زيادة في مؤشر سنوات الدراسة للبالغين بلغت 2.4 سنة في دولة الامارات "من 7 عام 2000 الى 9 عام 2011" و1.2 سنة في السعودية "من 7 عام 2000 إلى 8 عام 2011"، و1.1 سنة في البحرين "من 8 عام 2000 إلى 9 عام 2011"، و0.9 سنة في قطر "من 6 إلى 7".

اما بالنسبة لمؤشر متوسط عدد سنوات الدراسة المتوقع فتوضح المعلومات التفصيلية ان هذا المؤشر سجل انخفاضا في حالة الكويت من 13.1 سنة عام 2000 الى 12.3 سنة عام 2011، بينما سجل ارتفاعا ملحوظا بلغ 2.6 سنة في الامارات من "10.7 عام 2000 الى 13.3 عام 2011"، وسنة واحدة في سلطنة عمان "من 10.8 الى 11.8" و0.5 سنة في السعودية "من 13.2 الى 13.7 لذات الفترة".

بالاضافة إلى تفسير هذه الاتجاهات عن طريق توافر المعلومات يلاحظ امكانية تفسير تصورات مؤشر متوسط سنوات الدراسة للبالغين استنادا الى سياسات استقدام العمالة الوافدة، فحسب المعلومات المتوافرة هناك معلومات من مسح الدخل والانفاق لعام 2007/2008 توضح ان متوسط سنوات الدراسة التي حصل عليها ارباب الاسر الكويتية بلغ حوالي 10.4 سنوات دراسية.

واضاف التقرير أن المواطنين يشكلون ما نسبته 35.6% من اجمالي السكان, وذلك يعني ان قيمة المؤشر التي استخدمت في الحسابات الدولية تتطلب ان يكون متوسط سنوات دراسة الوافدين من السكان حوالي 2.3 سنة دراسية فقط وهو مستوى متدن للغاية ويعني ذلك بدوره ان سياسات استقدام العمالة لا تولي اهمية تذكر لنوعية العمالة في الدولة التي تسمح لها بالقدوم للعمل في الدولة ويتفق مثل هذا التفسير مع الفهم العام لنوعية العمالة الوافدة.

ترتيب متدن

من جانب آخر وبافتراض ان قوة العمل تمثل المجتمع وهو افتراض نقر سريعا بضعفه. هناك معلومات تؤيد مقترح تدني المؤهلات التعليمية لقوة العمل الوافدة ولكنها لا تؤيد المستوى المتدني لها بالدرجة التي تتطلبها الحسابات الدولية لمتوسط سنوات الدراسة في الكويت، وتظهر المعلومات المستقاة من الهيئة العامة للمعلومات المدنية حول القوى العاملة والمستوى التعليمي وفقا للحالة حتى 30 يونيو 2010، وبحساب متوسط سنوات الدراسة للسلم التعليمي المعتمد في دولة الكويت, ان الحسابات تتسم بقدر كبير من التقريب، واستنادا الى تلك المعلومات يمكن التأكد من ان متوسط سنوات الدراسة في الدولة ربما كان حوالي 8.2 سنوات وليس 6 سنوات بحسب التقديرات الدولية ما يترتب عليه تعديل قيمة مؤشر استخدام هذا التقدير الجيد مع متوسط سنوات الدراسة المتوقع حسبما كان عليه في عام 2000 "بمعنى 13.1 سنة" ويمكن التأكد ايضا من ان قيمة دليل التنمية البشرية للكويت لعام 2011 ستكون 0.803 وليس 0.760 ما يعني ان الكويت ستندرج تحت قائمة الدول ذات التنمية البشرية المرتفعة جدا كما كان عليها حالها عام 2009 ويلاحظ في هذا الصدد ان ادنى قيمة لدليل التنمية البشرية مؤهلة للتصنيف ضمن قائمة الدول هذه كانت 0.793 سجلت لبربادوس "بترتيب 47" وان الترتيب المعدل للكويت سيكون 45 بدلا من الارجنتين.

وذكر التقرير انه مهما يكن من امر الحسابات الفنية لدليل التنمية البشرية والمعلومات المتوافرة للتمكن من الحسابات الدقيقة له، فإن تفسير انخفاض الترتيب الدولي للكويت على اساس الانجازات في مجال التعليم يتفق مع التقييم الواقعي لنظام التعليم بدولة الكويت، وهو التقييم الذي يتردد في الكتابات المتخصصة، والتقارير الرسمية، حول الموضوع، ويلاحظ في هذا الصدد ان النظام التعليمي قد شهد خلال الفترة تحت الدراسة توسعا هائلا في مختلف مراحله، من خلال زيادة الانفاق العام على التعليم، الذي قدرت نسبته لعام 2011 بحوالي 3.9% من الناتج المحلي الاجمالي، وحوالي 11% من اجمالي الانفاق العام، وترتب على ذلك اتاحة فرص التعليم للجميع خصوصا المواطنين وتحسنت نسب التمدرس وتعمقت المساواة بين الجنسين وتم القضاء على الامية في اوساط الرجال، حيث بلغت نسبة الامية في اوساطهم 0.7 في المئة وانخفضت في اوساط النساء الى حوالي 2.4 في المئة.

مظاهر التراجع

وقال التقرير انه على الرغم من الانجازات التي شهدتها الفترة في مجال التوسع الكمي في التعليم فانها شهدت ايضا تراجعا في مستوياته ومكوناته، ما يشير الى وجود ازمة حقيقية ربما انعكست في المؤشرات التي تستخدم في دليل التنمية البشرية وتبدو مظاهرها في الجوانب التعليمية والتربوية التالية:

أـ ضعف اداء النظام التعليمي ويرجع ذلك الى عدة اسباب منها: ضعف تحصيل الطالب للكتابات الاساسية في المرحلة الابتدائية كما ان العائد التحصيلي المتواضع لا يتفق مع كلفة الطالب بهذه المرحلة التي تبلغ قرابة 10 الاف دولار اميركي.

ب ـ ارتفاع نسب الرسوب والتسرب الدراسي، وهي احدى اهم المشكلات التي تواجه التعليم في الكويت حيث وصلت الى مستويات مرتفعة نسبيا تنذر بان هناك مشكلة كبيرة قد تواجه النظام التعليمي في الكويت، فعلى سبيل المثال نجد ان نسبة الرسوب في المرحلة الثانوية وصلت الى 7.9% اما نسبة التسرب المتحققة في المرحلة الثانوية فوصلت عند الذكور الى 15% والاناث 8%.

ج ـ ضعف معايير جودة التعليم: لقد أدى إلى ذلك الضعف مجموعة من الأسباب لعل ابرزها انخفاض معدلات الدراسة الفعلية لدى المتعلمين وغياب المبادرة والابتكار عند الطلاب والمعلمين وغيرها.

د ـ قصور الخدمات التعليمية ومن اسباب ذلك الضعف قلة القيادات المدرسية التي تتمتع بالكفاءة اللازمة والمتمثلة في عناصر الاشراف والمتابعة والتنفيذ وغيرها، وقلة الوقت المخصص للتدريس، الذي يقل عن المتوسط العام لمدارس الدول المتقدمة.

هـ ـ ضعف اعداد المعلمين وتأهيلهم، ويرجع ذلك الى وجود فجوة كبيرة بين ما يتلقاه المعلم قبل الخدمة وما يمارسه في اثناء الخدمة وضعف الاثر المتحقق من جراء اعداد وتأهيل المعلمين وقلة خبراتهم وقلة برامج تدريب المعلمين في اثناء الخدمة وضعف تصميمها وقلة ساعات العمل المدرسي مقارنة بالنماذج في دول اخرى نجد في هذا الصدد ان الساعات المخصصة للتعليم في الكويت تقل بشكل لافت عن نظيراتها في الدول الاخرى، وهي الاسباب التي تشكل احد مقومات ازمة التعليم في الكويت، فنجد على سبيل المثال ان عدد الاسابيع المخصصة للتدريس في المرحلة الابتدائية في الكويت بلغ 33 اسبوعا بينما نجد ان عدد الساعات يصل في دول اخرى الى 40 اسبوعا.

استنزاف الدخل القومي

لفت التقرير الى ان الكويت حققت انجازات ملموسة في مجال التنمية البشرية على المدى الزمني الطويل الا ان الفترة قيد الدراسة ـ محكوما عليها بدليل التنمية البشرية الهجين لم تسجل تقدما يعتد به، وشهدت تلك الفترة نموا اقتصاديا ملحوظا انعكس على معدل نمو الدخل القومي الحقيقي للفرد الذي بلغ حوالي 1.8% في السنة، ويمكن لمثل هذه المفارقة بين النمو المادي والتقدم البشري ان يثير قضايا سياسية كتلك السائدة في الساحة الكويتية، وهي تتمحور حول اين ذهب كل هذا النمو الاقتصادي؟ وبملاحظة المشكلات التي يعانيها نظام التعليم، يمكن ان يتمحور السجال السياسي حول لماذا لم ينعكس النمو المادي في تحسين مستويات اعلى ونوعية ارقى للتعليم ومثل هذه الاستفسارات ترتبط ـ في نهاية المطاف ـ بقضايا تخصيص الموارد المتاحة للمجتمع ومن ثم بقضايا ذات صلة بكيفية اداء الاجهزة والمؤسسات الحكومية لأدوارها.