ربط الحراك السياسي بالقضايا المعيشية
الإصلاح السياسي هو الكفيل بالمحافظة على نظامنا الديمقراطي وتطويره، وهو بوابة الإصلاحات الأخرى الاجتماعية والاقتصادية، بيد أن الإصلاح السياسي لن يتم بين ليلة وضحاها، فالطريق إليه طويل ومتعرج وشاق، ويحتاج إلى عمل دؤوب وصبر ومثابرة وطول نفس، لهذا فمن الخطأ التركيز فقط على مطالب الإصلاحات السياسية مع إهمال المطالب والقضايا الأخرى، خصوصاً المتعلقة مباشرة بحياة الناس كالصحة والتعليم والتوظيف والإسكان وغلاء المعيشة.بكلمات أخرى، فإنه يجب ربط الحراك السياسي والشبابي والمجتمعي بالقضايا الاجتماعية-الاقتصادية لا سيما تلك التي تمس الحياة المعيشية للمواطنين، بحيث يتم كشف السياسات الحكومية التي فشلت في توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين، أو التي من ضمن أهدافها تحميل المواطنين تبعات الفشل في إدارة شؤون الدولة والمجتمع؛ مثل السياسات المالية الجديدة التي وردت في برنامج عمل الحكومة، والتي تتجاهل للأسف الشديد الأسباب الحقيقية للعجز المالي المحتمل، فتعزوه إلى أسباب غير صحيحة بغية تحميل تبعاته للمواطنين أصحاب الدخول المتوسطة والمحدودة على شكل فرض رسوم جديدة على السلع والخدمات، أو زيادة الرسوم الحالية، وفرض ضرائب غير مباشرة على الدخل مثل ضريبة القيمة المضافة تحت مبرر "ترشيد الاستخدام" أو "دعم الإيرادات العامة للموزانة العامة"، وهي مبررات من الممكن أن تكون صحيحة لو كانت المالية العامة للدولة تدار على أسس سليمة وعادلة، لكنها تفقد معناها في وضعنا الحالي بسبب سوء توزيع الثروة وانحياز أولويات المالية العامة للدولة وتوجهاتها.
ومما لا شك فيه أن الوضع الحالي السيئ للعمل السياسي من ناحية والتركيز على العمل البرلماني من ناحية أخرى قد ساهما في تشويه طبيعة العمل السياسي الحقيقي وارتباطه بالحياة اليومية للإنسان. أضف إلى ذلك أغلب "القوى السياسية" بما فيها بعض أطراف "المعارضة" ليس لديها في الأساس برامج اجتماعية واقتصادية تقدمها للناس، فكل ما لديها هو عبارة عن شعارات سياسية عامة تكررها أحياناً من دون التدقيق في مضمونها أو إمكانية تطبيقها على أرض الواقع.من هذا المنطلق، فإن من الأهمية بمكان ربط الهموم والمشاكل اليومية التي يعانيها المواطن مادياً ومعنوياً مع عملية الصراع السياسي، بحيث يكون له مضمون اجتماعي-اقتصادي، فبعض المواطنين لا يدركون أهمية ارتباط المشاكل الحياتية بالخلل البنيوي الذي تعانيه المنظومة السياسية المسؤولة عن إدارة شؤون الدولة والمجتمع، والتي تحددها طبيعة موازين القوى الموجودة في المجتمع، حيث إن التنظيمات والتحالفات والائتلافات والجبهات السياسية تتشكل بناء على المصالح الاجتماعية-الاقتصادية.إن ربط العمل السياسي بالهموم المعيشية اليومية للناس سيجعل الحديث في الشؤون السياسية والعامة ليس حديثاً نظرياً خاصاً بالنخبة السياسية، كما قد يظن البعض، بل له علاقة مباشرة بحياة كل إنسان ومستقبله وليس فقط الإنسان المهتم بالشأن العام أو المشتغل بالسياسة.