مصداقية السينما... أزياء الشخصيات في الواجهة
ما الدور الذي يؤديه منسق الملابس (الإستايلست) في الأفلام، وما أهميته؟ هل هو عنصر مكمل من عناصر العمل أم أنه أساسي ولا يمكن الاستغناء عنه؟ وما مدى تأثيره على مصداقية العمل؟ وماذا إن رفض الممثل الالتزام بتعليماته؟ وهل يتدخل المخرج في عمله؟
شهدت الأعمال السينمائية المصرية الأخيرة حالة من الجدل بشأن ملابس النجوم وتبرجهم؛ ففيما أشاد البعض بمصممة الأزياء في فيلم {فتاة المصنع}، كان لمنسق أزياء {حلاوة روح} نصيب في الهجوم على العمل، واعتباره مبالغا فيه نظراً إلى الملابس {الفاضحة} التي ارتدتها الفنانة اللبنانية هيفا وهبي ضمن الأحداث، وهو ما اعتبره البعض غير ملائم مع الشخصية التي تجسدها والبيئة التي تعيش فيها. بل إن البعض قال إنها من ضمن أسباب قرار رئيس الوزراء المصري بمنع عرض الفيلم في السينما، وإعادة تقديمه إلى الرقابة لإبداء رأي نهائي في شأنه.توضح منسقة الملابس نيرة الدهشوري (ستايلست {فيلا 69}، {فتاة المصنع}، و{الخروج للنهار}) أن تحقيق المصداقية في أي عمل فني يتطلب من الممثل ارتداء ملابس الشخصية، وفقًا لطبقتها الاجتماعية، علاقاتها، وطريقة حديثها. مثلا، تتابع الدهشوري، إذا كان النص يشير إلى أنها شخصية غنية، وتحاول هي معرفة ما إذا كانت غنية بالوراثة أم أنها بذلت مجهوداً لتحقيق حلم الغنى، أم أنها نصابة. وذلك لاختيار الملابس المناسبة.
وتشير إلى أنها تطلب نسخة من سيناريو الفيلم الذي تعكف على تحضير ملابسه، لتبدأ تفريغ الشخصيات مع المخرج، ومن ثم يتبادلان الأفكار، ويرسمان صوراً عن أبطال القصة، وتضيف: {المتابع لفيلم {فتاة المصنع} سيجد أنه رغم كون جميع الفتيات في المصنع ينتمين إلى فئات عمرية مختلفة فإنني حرصت على وجود اختلافات بينهن، فملابس الفتاة التي لم تتزوج رغم كبر سنها تختلف عن ملابس الفتاة المحبة للحياة التي جسدتها ياسمين رئيس، لذا اشتريت ملابس من كل مكان في مصر مثل وكالة البلح، العتبة، الموسكي، حلوان، بولاق، والسيدة زينب.ولفتت أيضاً إلى الملابس التي اختارتها لدنيا ماهر (بطلة فيلم {الخروج للنهار})، والتي يفترض أنها تخطت حاجز الـ 35 عاماً وتأخرت عن الزواج، فمع أنها جميلة فإن الدهشوري أصرت على تغييب عنصر الجمال عنها لتأكيد فكرة أنها غير متصالحة مع نفسها.وذكرت أنها حينما تجد رفضًا من ممثل ما نحو اختياراتها للملابس، أو اقتراحاتها للماكياج فإنها تتعامل معه بذكاء كي لا تشتد الأمور، لافتة إلى أن الفنانات هن الأكثر تعليقاً ورفضاً لهذه الاختيارات، نظراً إلى رغبتهن في الظهور باستمرار بشكل جيد وصغيرات في السن.{مهمتنا ليست سهلة لأنها أول ما يلفت نظر المشاهد في الشخصيات}، تقول مونيا فتح الباب، مشيرة إلى أنه عندما يُطلب منها وضع الأزياء المطلوبة للفنانين في أي عمل سينمائي فهي تبحث في حالات الشخصيات النفسية وعلاقاتها مع بعضها، مركزة في الوقت نفسه على موضوع العمل، وذلك لاختيار ألوان الملابس والماكياج الملائمة له، إلى جانب ألوان ديكور موقع التصوير، ما بين ألوان مبهجة توضح فرحة أو استقرار نفسي أو باهتة تشير إلى الكآبة والإحباط. كذلك تأخذ في عين الاعتبار شكل جسم الفنان، فربما اضطرت إلى إخفاء عيوب جسدية أو التركيز عليها وفقاً للأحداث.حلّ وسط تلفت فتح الباب إلى أن إبراز المراحل العمرية التي تمر بها الشخصية أحد الأمور الصعبة التي تقع على عاتق منسق الأزياء؛ إذ يكون عليه الالتزام بإطلالة معينة، مؤكدة أن المخرج يشاركها هذه الاختيارات حسب وجهة نظره، ويحاولان الوصول معاً إلى حل وسط بينهما بما يخدم العمل الفني ويرضي جميع الأطراف. وتشير منسقة الملابس إلى ضرورة إقامة جلسات تصوير للممثل، ومتابعة الصور والحكم على النتيجة لتعديل التصوّر إن كان غير مناسب.من جانبها تقول مخرجة {فيلا 69} آيتن أمين إن الاهتمام بمظهر الفنان الخارجي عملية مهمة للغاية، لا سيما أن ممثلين كثيرين يصرون على أن يكون مظهرهم جيداً بغض النظر عن الدور الذي يقدمونه، ضاربين بعرض الحائط ضرورة ارتداء ما يلائمهم وفقًا للدور كي تزداد نسبة مصداقيتهم لدى الجمهور.ولكنها تؤكد أن جميع الممثلين الذين شاركوها {فيلا 69} استجابوا تماماً لما تتطلبه كل شخصية، من بينهم أروى جودة التي طلبت منها عدم وضع ماكياج على وجهها إطلاقًا سوى كحل وماسكارا خفيفة، وهكذا الحال مع باقي الممثلين، وذلك لأنها تهتم، كما أوضحت، بظهور جلد الفنان لأنه في النهاية إنسان عادي، ولأن الشكل المنمق يصنع مسافة وحاجزاً بين مصداقية الممثل وبين الجمهور.وتتابع: {الممثل الذي لا يرتدي الملابس الملائمة لشخصيته لن يستطيع الدخول في حالتها والإحساس بها، لذا أعتقد أن جزءاً كبيراً من إجادة الممثل لأداء دوره متعلق بملابسه، ولم أر فناناً ارتدى ملابس بعيدة عن دوره ونجح}.ولاقتناع آيتن بذلك عقدت جلسات تحضيرية مع منسقة الملابس نيرة الدهشوري لتحديد طبقات ملابس الممثلين من الداخل، مؤكدة أن أبطال {فيلا 69} تجاوبوا مع إرشاداتها، والمنسقة أيضاً، لا سيما أنها منحتهم مساحة من الحرية لوضع اقتراحات على أن تكون في صميم الشخصية.المخرجة هالة خليل توافق آيتن أمين، مشيرة إلى أن كل عنصر في الفيلم يظهر في الصورة يساهم في نجاح العمل، وتضيف: {قبل الاتفاق مع المنسق على دوره، تكون لدى المخرج فكرة مبدئية عن مظهر شخصيات الفيلم، ثم يتحدث مع الإستايلست ويعرض له التصورات التي يراها مناسبة، ثم يتركه لفترة ويعود بتصورات أكثر تحديدًا يجرون عليها تعديلات عدة، حتى يتم الوصول إلى اتفاق جماعي}، لذا تعتبرها مهمة جماعية بينهما.وتفضل هالة أن يشاركهما هذه المهمة مهندس الديكور، لأنه يصمم شكل المكان الذي تتواجد فيه الشخصيات، ولا بد من الاتفاق على الحالة اللونية التي يضعها مصمم الديكور مع منسق الملابس، لتبدو الصورة متكاملة إلى جانب الحالة الضوئية التي يضعها مدير التصوير. وفي النهاية يتفق المخرج ومنسق الملابس ومهندس الديكور ومدير التصوير على صورة الفيلم.وتطالب هالة بوجود معهد لتدريس الماكياج، موضحة: {حتى الآن نحن متأخرون في هذا القسم، ونستعين غالباً بخبير ماكياج من الخارج، كما فعلت في فيلم {الراهب}، الذي توقف تصويره منذ فترة، إذ طلبت خبير ماكياج من إيران ولم يستطع الحضور، فاستعنت بخبير من رومانيا. وثمة من يستعين بخبراء من سورية وأميركا وفرنسا}.وتذكر أن المعهد غير مكلف على الإطلاق لأنه لا يتطلب سوى الاطلاع على أحدث الأساليب في الخارج، أو جلب معلمين لتدريس الراغبين، أو إرسال الراغبين في التعلّم إلى الخارج لمتابعة دراسات عليا في هذا المجال، ليعودوا ويعطوا الدروس في المعهد. وتشير إلى أن معهد السينما كان يشتمل على قسم متخصص في هذا المجال قديماً.