«لا قديسون ولا ملائكة» لإيفان كليما... تعرية الاستبداد والأيديولوجيا

نشر في 22-12-2013 | 00:01
آخر تحديث 22-12-2013 | 00:01
No Image Caption
صدرت عن «دار التنوير» الترجمة العربية لرواية «لا قديسون ولا ملائكة» للروائي والتشكيلي التشيكي إيفان كليما، وهي الثانية التي تصدر له بالعربية بعد «حب وقمامة» إلى جانب بعض مسرحياته.
يأخذنا إيفان كليما في روايته «لا قديسون ولا ملائكة» إلى براغ في السنوات الأولى التي تلت التمرّد على آثار العصر الستاليني السوفياتي، وتتناول، شأن روايات كليما الأخرى، العيش في براغ، قبل الربيع وبعده.

يكتب كليما بواقعية وشفافية، ويقدم رواية مليئة بالمشاعر والأحلام والخوف والتمرد... هاجسه كيف نتخلص من الحقد والألم والخوف من دون أن يكون تمردنا حفرة جديدة... ذلك هو ما يبحث عنه في الرواية، إذ يقدم شخصيات تجسد التجانس الأزلي بين العيش تحت انظمة قمعية قديمة وصعوبات وإحباطات عهد الحرية الجديد... وهي صادقة، مقنعة، مصابة وهشة، مرتبكة، مفعمة بالحياة. على غرار أنطون تشيكوف، يبرز كليما ما هو غير عادي في الحياة العادية، ويمسك الحاضر بقبضته حتى وهو يستكشف الماضي بالأخرى.

بطلة الرواية كريستينا، طبيبة أسنان تجاوزت الأربعين من عمرها، تعيش حياة متوترة وقلقة، ممزقة بين عملها والتردد على زوجها السابق الذي أصيب بمرض عضال وبات طريح الفراش، والاعتناء بابنتها المراهقة التي تكتشف أنها باتت مدمنة مخدرات، وزيارة أمها التي تسكن وحيدة وينتابها خوف وقلق كل الوقت.

مثقب الأسنان

تبدأ الرواية بإعلان كريستينا أنها قتلت زوجها بمثقب للأسنان حفرت به ثقباً في رأسه. ولكن حدث ذلك في الحلم. غير أنه حلم يلخّص رغبتها الداخلية: قتلت زوجي في الليلة الماضية. استخدمت مثقب أسنان لثقب جمجمته. انتظرت لأرى حمامة تخرج من رأسه، لكن خرج بدلاً منها غراب أسود كبير. استيقظت مرهقة، أو على نحو أكثر دقة بلا شهية للحياة. بتقدمي في السن تضعف شهيتي للحياة. هل شعرت للحظة بشهية مفعمة للحياة؟ لا أظن، لكن قطعاً كان لديّ مزيد من القوة}.

انفصلت كريستينا عن زوجها لأنها عرفت أنه يخونها مع امرأة أخرى. حصلت على الطلاق منه وبات كل واحد منهما يعيش في مكانه الخاص. ومع هذا لا تنفك تزوره وتعتني به وتحضر له الطعام بين وقت وآخر.

علاقة غير متكافئة

بحسب رواية كليما، تنشأ في صيف 1998 علاقة عاطفية بين كريستينا (45 عاماً) وجان هونزا (30 عاماً). رغم أنها غير متكافئة، إلا أن كرستينا تبدو مشدودة إليها لمبررات كثيرة منها أن هونزا هو ابن مواطن اغتاله النظام السابق في الخمسينيات من القرن الماضي، وأنه يعمل لدى الحكومة التشيكية ضمن نخبة تم تشكيلها للتحقيق في جرائم النظام الشيوعي السابق. رغم أهمية هذه المبادرة إلا أنه لا يشعر بالارتياح لاكتشافاته الجديدة إذ سرعان ما حُلت اللجنة تحت ضغوط متزايدة من الحكومة التشيكية وتسريح أفرادها على نحو شديد البساطة.  

تزداد التحولات قتامة عندما يمتد الصراع لتتسع جبهة المواجهة في المرحلة الجديدة، رغم إحاطتها بإطار من الحرية على نحو لم يتوقع أحد أن تصير معه مرحلة صراع حقيقي على مستوى القيم الأخلاقية والمادية الجديدة التي تهدد كيان الأسرة التشيكية.

تتحطم المثل الصحيحة وتحل محلها منظومة مميتة من المعايير التي تأخذ بخناق الإنسان وتجبره على الخضوع الذليل. تكتشف كريستينا في أوراق أبيها أنه تزوج من امرأة أخرى وأنجب ابناً. أي أن لها أخاً غير شقيق من علاقة سرّية جمعت بين أبيها وامرأة أخرى. كان أبوها، إذاً، يخون زوجته، أم كريستينا. وكان يخفي تلك العلاقة بصفتها سلوكاً شائناً. أي أنه تصرّف على هذا النحو على رغم معرفته بعاقبته.

روايات كليما، وإن تمحورت موضوعاتها حول هاجس التحول السياسي في بلاده، تشتمل على خطاب آخر، لا يقل أهمية، هو خطاب الحياة في معناه الواسع بما في ذلك الديكتاتورية والرقابة والحب. ومغزى الرواية المؤثر واضح: الإيديولوجيا، أيّاً كانت، تفسد المحيط الذي يعيش فيه الإنسان. يدمن الإنسان الطغيان ويفتقده حين يكون كل شيء طاغياً.

back to top