في يونيو 2001 وافق مجلس الوزراء على تبني توصيات لجنة اصلاح المسار الاقتصادي التي حذرت من استمرار الوضع على ما هو عليه، خصوصاً من جهة الاعتماد على الإيرادات النفطية واختلالات سوق العمل والسكان وتهيئة المناخ لنشاط اقتصادي حر، وبينت التوصيات خطورة الاستمرار في السلوك الاقتصادي نفسه على المدى الطويل.

Ad

وفي يناير 2013، اوصى المجلس الاعلى للتخطيط الحكومة بتوصيات مشابهة لتوصيات لجنة اصلاح المسار الاقتصادي، ولم يختلف معها الا في تعمق نفس المشكلات والتشديد على خطورة الاستمرار بنفس السياسات على المدى القصير.

وبين توصيات 2001 ونظيراتها في 2013 العشرات من التقارير والتوصيات والدراسات الحكومية والمستقلة والداخلية والخارجية وخطة تنمية وخطط سنوية وخمسية ومشروع لمركز مالي وتجاري، كلها صبت في اتجاه واحد هو ضرورة تغيير النمط الاقتصادي الحالي خصوصا فيما يتعلق بالانفاق والاعتماد على الايرادات النفطية وتنامي الميزانية وغيرها من الاختلالات وهي توصيات تعود الى فترة بداية الثمانينيات من القرن الماضي، وان اشتدت وتيرتها بعد عام 2000.

أين التنفيذ؟!

السؤال الذي يبدو حاضرا هو: طالما كان تشخيص الخلل موجودا والحلول واضحة فلماذا لا يتم تنفيذ الحلول فورا؟

الخلل يتعلق بآلية العمل الحكومي الذي يحسب ألف حساب لردود الفعل التي تنتج من اي قرار يمكن ان يكون صحيحا من الناحية الاقتصادية، فمثلا لو اتجهت الحكومة إلى تنويع ايرادات الدولة غير النفطية عبر زيادة رسوم الكهرباء واعادة تسعير املاك الدولة وفقا لقيمها السوقية فإنها تخشى ردة الفعل التي يمكن ان ترتد عليها من المواطنين والشركات على حد سواء، فضلا عن ان ضعف الانجاز الحكومي خصوصا في القطاعات الاساسية كالسكن والتعليم والصحة يجعل حجتها في المضي بقرارات غير شعبية اقل قدرة على التنفيذ.

تقرير المجلس الاعلى للتخطيط تحدث عن اختلالات كثيرة، معظمها زاد بعد عام 2007، وكان من المفترض أن تعالج بعد تنفيذ توصيات لجنة اصلاح المسار الاقتصادي لعام 2001 «والتي لم تنفذ أصلا» فصعد سعر التعادل -حسب التقرير- من 49 دولارا في السنة المالية 2007/2008 الى 102 دولار في الميزانية الحالية 2014/2015.

تراجع الإنفاق الرأسمالي

كما يرصد التقرير تراجع الانفاق الرأسمالي في الميزانية بنحو 9 في المئة حيث بلغ 2,907 مليار دينار في السنة المالية 2014/2015 حيث كان المقدر له 3,201 مليارات دينار في ميزانية 2013/2014، ورصد أيضا تراجع مساهمة الإيرادات غير النفطية بشكل واضح في الإيرادات العامة، حيث انخفضت نسبة هذه المساهمة لتصل إلى 6 في المئة من قيمة إجمالي الإيرادات العامة في ميزانية عام 2014/2015 بعد أن كانت 6.7 في المئة في عام 2013/2014 مع ان احد اهداف الحكومة الرئيسية تنمية الايرادات غير النفطية التي انخفضت 0.7 في المئة رغم ان الخطة كانت تستهدف رفعها!

كما زادت المصروفات بنسبة 3.2 في المئة لتبلغ 21.68 مليار دينار بزيادة قدرها 681.9 مليون دينار عن المقدر في ميزانية 2013/2014.

واضح ان الاهداف التي تضعها الدولة لا تتحقق بل تأتي أيضا بنتائج سلبية اسوأ عاما تلو آخر وهنا يحق لاي شخص ان يتساءل عن قدرة من حقق الفشل في تحقيق النجاح بنفس العقلية والادارة والاشخاص؟

الاستقطاع من الإيرادات

الاداء السيئ اقتصاديا مرتبط بوجود فوائض مالية ضخمة ومتراكمة، وربما من قبيل الانصاف يكون قرار رفع نسبة الاستقطاع من الايرادات من 10 في المئة الى 25 في المئة لصالح صندوق احتياطي الاجيال افضل قرار تم اتخاذه ماليا منذ نحو 10 سنوات الا أن هذا القرار وحده لا يمكن ان يكون برنامجا اصلاحيا كاملا، لأن المطلوب هو اعادة هيكلة الاقتصاد ومواجهة الانفاق الاستهلاكي واتخاذ اجراءات من شأنها توجيه الشباب للعمل في مشاريع صغيرة.

المطلوب اليوم ليس فقط اعادة ترشيد الانفاق والحد من المصروفات بل اعادة هيكلة الاقتصاد وتنويع سوق العمل وتقديم نماذج خصخصة حقيقية خالية من الاحتكار.

الإدارة التي فشلت في خطة التنمية وقبلها تحويل الكويت لمركز مالي هي ذاتها التي تفشل اليوم في تحسين مؤشرات الميزانية السنوية فتستهدف الخفض فتظهر النتيجة زيادة في الانفاق، وهو امر يستدعي وجود مؤشرات فصلية للانفاق كي يتم العمل على ضبطها.

حسب مؤشرات التنافسية الدولية التي تعتمدها الحكومة لقياس اداء خطة التنمية فإن الكويت كانت قبل 4 أعوام في حال افضل من اليوم، وفي ظل نفس العقلية الادارية قد يكون وضعنا اليوم أفضل من 4 سنوات مقبلة، خصوصا ان معظم التقارير العالمية تتحدث عن تحديات في اكثر من قطاع كالنفط والميزانية وبينهما الادارة العليلة التي تحقق الفشل تلو الآخر دون ان نرى تغيرا للمسار او عقابا للفاشل.

لم نتمكن رغم سنوات طويلة من التوصيات والدراسات واللجان لا من تطوير بيئة الأعمال ولا استقطاب الرساميل ولا اقامة المشروعات، وتراجع التعليم ولم يتطور سوق العمل الى جانب بطء تعديل او اقرار مجموعة ضخمة من القوانين التي يفترض ان تدعم تنفيذ خطة التنمية وعشرات الدراسات والتوصيات وحتى النصائح... فهذا النوع من الخطط ليس مجرد خطاب سياسي او عنوان عريض، بل مشروع فيه من التفاصيل والجزئيات ما يشغل دولا على مدار العام ويجعلها تراقب كل المؤشرات التنافسية لتتفوق بها عاما تلو الآخر وهذا بالطبع لم يحدث في الكويت.