الحياة ليست حالة طارئة!

نشر في 11-03-2014
آخر تحديث 11-03-2014 | 00:01
 د. ساجد العبدلي يتعامل بعض الناس مع الحياة وكأنها حالة طارئة، تراهم مشغولين دائماً، لسان حالهم يشكو دوماً من ضيق الوقت وازدحامه بالمشاغل والأعباء والمسؤوليات، لا يكادون ينجزون عملاً فيشطبونه من قائمة المهام الملقاة على عواتقهم إلا ويظهر غيره شاخصا أمام ناظرهم، تفكيرهم مزدحم على الدوام، فلا يستطيعون حصره في اللحظة الراهنة أبداً، وبالهم مشغول دائماً، حيث عقولهم سريعة الانعطاف نحو التفكير في القادم وفي المستقبل وفي الآخر في كل لحظة صمت تسنح لهم.

يستشعرون مسؤوليتهم تجاه أغلب، إن لم يكن كل، الأحداث من حولهم. يظنون أنهم مسؤولون عن كل الناس من حولهم، جسداً وشعوراً، ولا ينفكون عن محاولة إرضاء الجميع، ولو على حساب أنفسهم.

وبقدر استمرارهم في الركض المحموم على أمل اللحاق بكل المهام ومحاولة إرضاء جميع الأشخاص من حولهم، فإنهم واقعون في الفشل لا محالة، الأمر الذي ينعكس عليهم فيتلبسهم هماً وغماً.

يقول الناس في القول الدارج إن "الهم يقصر العمر"، وهو قول لا يبتعد كثيراً عن الحقيقة، فكثرة الهموم والضغوط سرعان ما تخترق دروع المقاومة النفسية عند الإنسان، لتبدأ من بعد ذلك بالترسب ألماً وسقماً ومرضاً في أعضائه، حتى تراه يعاني طوال الوقت الثقل والدوخة والصداع في رأسه، والشد وأحياناً التمزق في عضلاته، واعتلال الشهية، والغثيان والحرقة والتلبك في معدته وأمعائه، وقلة النوم أو اضطرابه، وغير ذلك من الأعراض والأمراض العضوية. يعيش هؤلاء القوم في هذه الحلقة المفرغة طوال الوقت، فتدور بهم كما تدور الرحى فتطحن صحتهم وعافيتهم الفكرية والنفسية والجسدية، انتهاء إلى انهيارهم وسقوطهم أرضاً وربما وفاتهم!

أعترف بأني كثيراً ما وقعت في هذه الحلقة المفرغة التي لا فكاك منها، وفي هذه الدوامة النفسية المرعبة التي إن هي دارت فلا يمكن إيقاف دورانها بسهولة، وجدتني حينها وكأني أتمزق في كل الأنحاء بلا طائل ولا فائدة، وبقدر ما كنت أتشظى هنا وهناك سعياً للحاق بكل شخص وشيء كنت أكتشف كم هي سيطرتي قليلة بل معدومة على مآلات الأمور ونتائجها، وكم هي حيلتي بسيطة في حقيقة الأمر.

كنت أحاول بين وقت وآخر أن أفر بنفسي وأنفذ بجلدي في استراحة أو إجازة على أمل استعادة أنفاسي المتقطعة ولملمة شتاتي المبعثر، ولكن يرفض عقلي السكون، وتتجافى نفسي عن الهدوء والاستكانة، وكأن الهموم سافرت معي في ذات الحقيبة التي حزمت بها ملابسي!

الآن، وفي هذه اللحظة بالذات، أدركت تماماً أن الفرار من هذه الطاحونة لا يكون بالخروج والهروب منها بالضرورة، إنما بمواجهتها، والدخول إليها بذهنية وعقلية مختلفة كلياً.

أنا، ومن هم على هذه الشاكلة، بحاجة إلى أن نتعلم جيداً وأن نذكّر أنفسنا طوال الوقت وبلا انقطاع حتى يصبح لسان حالنا الدائم، بأننا لسنا مسؤولين عن كل الناس من حولنا، وأن مسؤوليتنا تجاه من نحن مسؤولون عنهم هي مسؤولية محدودة أيضاً وليست مطلقة. فلا أحد مسؤولا عن أي أحد مسؤولية مطلقة، وأننا لسنا مسؤولين كذلك عن إدارة أي أمر إلا بقدر طاقاتنا جسدياً ونفسياً وعاطفياً. وأن أنفسنا تأتي أولاً، لأننا إن خسرنا صحتنا النفسية والجسدية فلن نكون ذوي فائدة لأي طرف بعدها.

مواجهة هذا الواقع الضاغط المتسارع تبدأ على مستوى العقل والوعي والإدراك بالتشخيص السليم، ثم تنتقل بعدها إلى مستوى التطبيق والممارسة والسلوك، وهذا ما يجب أن يكون من الآن فصاعداً.

back to top