عندما هدأت العاصفة التي تلت زيادة أسعار الفائدة في تركيا أمس الأول، وجدت تركيا نفسها أمام أسعار فائدة أعلى بكثير من ذي قبل، وعملة لاتزال ضعيفة ومعرضة للخطر، وتعديلات اقتصادية صعبة.

Ad

القرار برفع سعر الفائدة الذي اتُّخِذ في منتصف ليل الاثنين/الثلاثاء، ذهب أبعد مما كان يتوقعه السوق، لكن المحللين وصفوا قرار البنك المركزي بأنه البداية فقط لإعادة توازن اقتصاد شهد طفرة قوية في الماضي وتوجيهه بعيداً عن الاستهلاك المحلي وبعيداً عن عجز مرتفع في الحساب الجاري، نحو ادخار أعلى ومزيد من الصادرات.

والحجج التي تقول إن قرار البنك كان ضرورياً لكنه غير كاف، تأكدت من خلال التحولات والانعطافات التي شهدتها الليرة بعد ذلك، على الرغم من أنها بقيت أعلى بكثير من المستوى الأدنى البالغ 2.39 ليرة مقابل الدولار في نهاية يوم العمل في تركيا يوم الاثنين.

بيان متشدد

وقالت ميليس ميتينر، وهي اقتصادية في بنك إتش إس بي سي في إسطنبول: «ربما لا يكون هذا الإجراء كافياً لتحقيق جميع التعديلات اللازمة في الاقتصاد الكلي، لكن بيان البنك المركزي كان متشدداً نسبياً».

وأضافت: «السيناريو الأساسي لهذا العام يبدو أنه سيكون: نمو متباطئ، وانخفاض في الاختلالات الخارجية، وتضخم فوق المستوى المستهدف لكنه يقع في خانة واحدة». ويتوقع غيرها من المحللين، مثل أوزجور ألتوج، من شركة بي جي سي بارتنرز، أن يكون النمو في عام 2014 بنسبة 1.9 في المئة فقط، مقارنة بتوقعات حكومية تبلغ 4 في المئة.

والسبب الرئيس لمثل هذا التوقع هو رفع سعر الفائدة نفسه. فقد احتل البنك المركزي عناوين الأخبار من خلال زيادة سعر الريبو (عمليات إعادة الشراء) الأسبوعي إلى أكثر من الضعف، من 4.5 في المئة إلى 10 في المئة. لكن لأن البنك لم يُقرض سابقاً بهذا السعر، فإن الزيادة الفعلية ليست عجيبة إلى هذا الحد ـ ارتفعت من نحو 7.2 في المئة إلى 10 في المئة.

فقدان المصداقية

ومنذ فترة طويلة يعارض رئيس الوزراء، رجب طيب أردوغان، رفع أسعار الفائدة التي يقول إن وراءها «لوبي لسعر الفائدة» غير محدد المعالم، الذي يحاول شفط الأرباح والنمو من تركيا. لكن محمد سيمسك، وزير المالية التركي، يقول انه في حين أن زيادة سعر الفائدة من شأنها التأثير على النمو إلى حد ما، إلا أن فقدان المصداقية الذي يوحي به الانخفاض المستمر في العملة كان من الممكن أن يكون أسوأ بكثير.

وفي الواقع تتعرض الشركات التركية بشكل كبير إلى مخاطر أسعار الصرف، لأن لديها فرصة ضئيلة للاقتراض بالليرة على المدى الطويل. ونتيجة لذلك يبلغ صافي مطلوبات الشركات من العملات الأجنبية 167 مليار دولار. ويقول مصرفيون إن بعض الشركات بدأت منذ الآن إعادة التفاوض على القروض. وكان أحد أسباب عدم قدرة الليرة على الحفاظ على مكاسبها يوم الأربعاء هو أن الشركات بدأت بشراء الدولار للمساعدة في خدمة تلك القروض.

البنوك التركية

وبالنسبة للبنوك التركية سيكون لرفع السعر تأثير مباشر، لأنه يُصيب ربحيتها وميزانيتها العمومية على حد سواء. ووفقاً لبعض التنفيذيين، في مثل هذه البيئة ستكون البنوك حذرة بشكل متزايد بشأن من تقرضهم، والمدة التي يقترضون فيها، مع الآثار الثانوية على الاقتصاد، خاصة على قطاع الإنشاءات الذي وفر العديد من فرص العمل الجديدة في تركيا في الآونة الأخيرة.

وفي الأعوام الماضية، مثل عام 2012، استجابت الشركات التركية بسرعة لتباطؤ محلي عن طريق إعادة التركيز على أسواق الصادرات. وفي مذكرة لوكالة فيتش للتصنيف الائتماني أمس الأول، عرضت احتمال حدوث هذا مرة أخرى.

بيئة الأعمال في تركيا تتسم بالاضطراب والجيشان، وسط تحقيق يزداد توسعاً حول الفساد يتعلق بأشخاص مقربين من الحكومة. وفي الأسبوع الماضي وصف أردوغان رئيس أكبر اتحاد للشركات في تركيا بأنه خائن، لقوله إن الاستثمارات الأجنبية لن تأتي إلى بلد يُستخّف فيه بسيادة القانون. وفي أحدث حلقة في سلسلة من عمليات التطهير لسلطات فرض القانون، تم أمس الأول عزل اثنين من ممثلي النيابة العامة الأساسيين في تحقيقات الفساد، في حين تم رفع تجميد عن أصول رجل أعمال إيراني يبلغ من العمر 30 عاماً، متهم برشوة وزراء.

وقال أحد مديري الصناديق: «الشؤون السياسية تلقي بظلالها على رغبة المستثمرين في دفع مزيد من الأموال النقدية إلى داخل الاقتصاد»، ما يعني أنه إلى حين أن يتم حل هذه القضايا فمن الممكن أن تظل الليرة تواجه مسيرة شاقة، رغم الثناء الذي حظي به قرار البنك المركزي الأخير.

* (فايننشال تايمز)