حلّت قبل أيام الذكرى الثالثة والعشرون لتحرير وطننا من الاحتلال العراقي البغيض، وهي مناسبة وطنية أول ما نستذكر فيها شهداءنا الأبرار الذين ضحوا بأرواحهم فداء لحرية الوطن الغالي واستقلاله، ومن المؤسف ألا نرى شيئاً له قيمة معنوية تليق بدورهم البطولي وتُحيي ذكراهم.

Ad

كما يجب أن نستذكر أيضاً البطولات الشجاعة للمقاومة الكويتية الباسلة، والمواقف المُشرّفة للشعب الكويتي الذي قاوم قوات الطغيان والظلم والاحتلال الغاشم بكل شجاعة أفقدتها ثقتها بنفسها، وساهمت في عملية اندحارها المُخزي واستسلامها المُذل.  

ذكرى التحرير مناسبة وطنية عظيمة للاحتفال الذي من المفترض أن يتعدى الحفلات الغنائية التجارية وغيرها من مظاهر شكلية لا قيمة لها؛ ليكون احتفالا بما تم تحقيقه من إنجازات تنموية حقيقية على جميع المستويات منذ مؤتمر جدة في أكتوبر 1990 الذي تم خلاله التوافق على استكمال بناء دولة دستورية ديمقراطية عصرية.

 لقد شكّل مؤتمر جدة، الذي انعقد في ظروف سياسية بالغة الحساسية والتعقيد خطوة في غاية الأهمية نحو بناء الكويت العصرية على أسس ديمقراطية، ولكن السلطة لم تلتزم بما تم التوافق عليه آنذاك، وهو الأمر الذي اتضحت مؤشراته الأولية بعد التحرير مباشرة عندما تمت دعوة ما سُمي "المجلس الوطني" الذي أنشئ قبيل الغزو كي يكون بديلا عن مجلس الأمة، لكن موقف المعارضة الرافض وقتذاك أجبر السلطة على التراجع والدعوة لانتخابات عامة جديدة.

في عام 1992 عاد مجلس الأمة كمؤشر لعودة العمل بالدستور، ولكن محاولات إفراغ الدستور من محتواه وتحويل مجلس الأمة إلى مجلس شكلي لا قيمة له لما تتوقف حتى الآن مثلما عندما انفردت الحكومة بتعديل النظام الانتخابي، وما ترتب على ذلك من تداعيات سياسية، أدت إلى تدني نسبة المشاركة السياسية في إدارة شؤون الدولة والمجتمع، أضف إلى ذلك محاولات تقليص هامش حرية الرأي والتعبير تحت دواعي تنظيمها.

هذا على الجانب السياسي، أما على الجانب الاجتماعي فحدّث ولا حرج، فقد عدنا عقودا إلى الوراء، بسبب السياسات والممارسات الحكومية الفاشلة، أي إلى ما قبل تشكّل الدولة الدستورية عام 1962، حيث ساهمت بعض السياسات والممارسات في تمزيق النسيج الوطني الاجتماعي، وتشجيع الانقسامات الطولية، والتعصب للهويات الصغرى السابقة لنشوء الدولة الحديثة (قبلية، طائفية، عائلية، مناطقية) بحيث أصبح حتى الأطفال يرددونها في مدارسهم بدلا من ترديدهم للهوية الوطنية الجامعة.

 والجانب الاقتصادي لا يقل سوءاً عنهما أيضا، فلا يزال اقتصادنا ريعياً يعتمد على النفط كمصدر وحيد للدخل القومي، والتركيبة السكانية تزداد اختلالا، ناهينا عن انتشار قيم المجتمع الاستهلاكي، وتراجع ترتيب الكويت في مؤشر مدركات الفساد الذي تصدره المنظمة العالمية للشفافية، وتردي الخدمات العامة وارتفاع معدل البطالة بين الخريجين، وازدياد الأعباء المعيشية على أصحاب الدخول المتوسطة والمتدنية في الوقت الذي ارتفعت فيه بشكل غير طبيعي ثروة مجموعة قليلة نتيجة لفساد المنظومة السياسية، وغياب العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة الوطنية.

 لهذا، فما أحوجنا في الذكرى الثانية والعشرين للتحرير إلى عملية مراجعة نقدية جادة وصريحة للفترة الممتدة منذ التحرير حتى الآن، بحيث يترتب على ذلك توافق وطني على "خارطة طريق" لإصلاح المسار السياسي والديمقرطي من أجل تجاوز حالة التراجع المزري، فالأوضاع العامة، وباعتراف الجميع، ليست على ما يرام.