خمسة دروس لـ2013 ستدخل طي النسيان في العام الجديد
أصبحت حالة عدم اليقين هي الذريعة الدارجة التي اعتادت المؤسسات ورجال الأعمال استخدامها لتفسير أسباب عدم إقبالها على الاستثمار، وسبب عدم إنفاق المستهلكين، وتبرير تعرض الاقتصاد لموجة تباطؤ.
مع نهاية كل عام وانطلاق آخر جديد يطلق الصحافيون العنان لإبداعهم من أجل تقديم أفضل 10 قوائم وأسوأ 10 أيضاً، واستعراض الأكاذيب الكبرى التي مرت في العام الماضي (والتي لا تترك حتى المكتب البيضاوي في حاله)، علاوة على طرح تكهنات العام الجديد، وفي هذا السياق، قمت بجمع معلومات حول أكثر دروس عام 2013 أهمية والتي من المؤكد أن تنسى في السنة المقبلة.• الدرس الأول: احذروا البيانات الرسمية التي تطلق على شكل توقعات اقتصادية.
قبل توقف الدوائر الحكومية الفدرالية في شهر أكتوبر الماضي وأثنائه وبعده، حذر الرئيس باراك أوباما المواطنين الأميركيين من كل الأشياء المرعبة التي يتعين علينا توقعها والخوف منها؛ سوف تظلم الأرض، وسوف تنحسر البحار، وسوف يدمر الجفاف الأراضي الزراعية في البلاد. حسناً، ليس ذلك بالأمر البالغ السوء، ولكنه أشار ضمناً إلى أننا قد نحصل على أطعمة مسممة نتيجة تناولنا للحوم ملوثة (لا وجود لمفتشي أغذية)، وقد نتعرض للموت في حوادث تحطم طائرات (لا وجود لمراقبي حركة جوية)- وكما تبين فإن طواقم العمال الأساسيين لم يكونوا في إجازة.وأثناء ممارسة أوباما لضغوطه على الجمهوريين من أجل إخضاعهم، هل ظننت أنه كان جاداً، أليس كذلك؟ وقد تم تذكيري بمقال كنت كتبته في سنة 2011 ويبدأ بما يلي: "ماذا لو أن الحكومة الأميركية أغلقت ولم يلحظ ذلك أحد"؟يبدو أن ذلك كان الحال... فقد نما الاقتصاد الأميركي بمعدل سنوي حقيقي بلغ 4.1 في المئة في الربع الثالث وسط كل هذه "الشكوك" التي أثيرت بشأن إغلاق الدوائر الرسمية وهيئة الإقراض الحكومية، كما طرأت زيادة في الناتج المحلي الإجمالي، كانت الأكبر في حوالي السنتين، وبدا ذلك بجلاء في الارتفاع الذي بلغت نسبته 2 في المئة في إنفاق المستهلكين مدفوعاً بقفزة وصلت الى 7.9 في المئة في مشتريات الأميركيين من السلع المعمرة ذات المبالغ الضخمة. هل كانت تلك تأثيرات الإغلاق؟• الدرس الثاني: تجاهل ذلك المضاعفكانت إدارة أوباما ومساعدوها على درجة متساوية من التشاؤم حول تأثير مسألة حجز المخصصات أو الخفض الآلي بقيمة 85 مليار دولار في الإنفاق التقديري، الذي يعد الهبوط السنوي الثاني له على التوالي، وأول عملية خفض حقيقية خلال ما لا يقل عن 50 سنة.يعتمد الاقتصاديون على شيء يطلق عليه "المضاعف" من أجل تحديد أثر زيادة، أو نقصان، كل دولار في الإنفاق الحكومي وانعكاسه على الناتج المحلي الإجمالي، ويمكن لهذا "المضاعف" أن يكون أي شيء تريده أو ترغبه- كل ما عليك ابدأ بالنتيجة المرغوبة ثم تابع المسار الهابط.هل تظنون أنني أمزح؟فبعد إجراء مسح ودراسة للنشرات الأكاديمية، اكتشف الاقتصاديان فيرونيك دو روغي وماثيو ميتشل من "مركز ميركاتوس" في جامعة "جورج ماسون"، أن تقديرات "المضاعف" تتراوح بين موجب 3.7 وسالب 2.9.تنبأت كل الأطراف تقريباً- بدءاً من مجلس الاحتياط الفدرالي (البنك المركزي)، ومكتب الميزانية في الكونغرس، وصولاً إلى صندوق النقد الدولي- أن إجراء تخفيضات في الموازنة سيهبط بمعدلات النمو، ولكن من في وسعه أن يحدد ذلك؟ في ميدان علم الاقتصاد ليس ثمة طريقة لتقرير ماذا كان سيحدث؟ والأكثر من ذلك هو أن هذا "النموذج" يفترض عدم وجود تغير مفاجئ في مكان آخر، وأن القطاع الخاص لا يستخدم الدولار الذي لا تنفقه الحكومة، وأنه يستعمله بصورة أكثر فعالية.وأنا أظن أن خفض الإنفاق في سنة 2013 انطوى على التأثير ذاته الذي نجم عن التحفيز المالي في سنة 2009.• الدرس الثالث: قانون الأرض يخضع لأوامر تنفيذية أمضى الجمهوريون في مجلس النواب معظم أوقات السنتين الماضيتين في محاولة إلغاء وتفكيك خطة برامج الرعاية الصحية المعروفة بـ"أوباماكير": 46 صوتاً بشكل إجمالي. وأظهر أوباما من هو صاحب القول الفصل في هذا الصدد، وقد أحدث الرئيس تسعة تغييرات في قانون "حماية المريض والرعاية المحتملة" منها ثمانية أجريت خلال الأسابيع الخمسة الماضية.ولم يتم الإعلان عن آخر تغييرين، وقد جاء قرار السماح للأشخاص الذين ألغيت خططهم شراء خطط أرخص كارثية في 19 ديسمبر، وذلك في رسالة وجهتها وزيرة الصحة والخدمات الإنسانية، كاثلين سيبليوس، إلى ستة من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطييين، وكان أحدث تغيير أجري على القانون- الذي يسمح بتمديد قدره 24 ساعة للموعد النهائي للتسجيل في الخطة التي دخلت حيز التنفيذ في الأول من شهر يناير الجاري- تم تسريبه إلى صحيفة واشنطن بوست ثم أكدته الإدارة الأميركية.وبالنسبة إلى أولئك الذين تعرضوا لصعوبات فنية بسبب التزاحم الشديد على خطوط الشبكة العنكبوتية في ليلة عيد الميلاد وموسم الإجازات السنوية فقد عرضت الرعاية الصحية الحكومية فترة تمديد خاصة أخرى.يمنح دستور الولايات المتحدة كل السلطات التشريعية إلى الكونغرس، لكن الرئيس يظهر قدرته على الإملاء بضرورة التوصل إلى تسوية يعجز الكونغرس عن تحقيقها عبر آلية تصويت علنية برفع الأيدي.• الدرس الرابع: لا معنى "لغير المستدام" من دون تاريخ نهائيفي العام الماضي لم تكن هناك صفقة مساومة كبيرة تتعلق بالضرائب والإنفاق مطروحة على الطاولة، وقد استهدف الكونغرس درجة متدنية وإجراء الحد الأدنى حتى يتكمن من إعلان تحقيقة انتصاراً في إقرار ميزانية. وقد هبط العجز المالي الفدرالي إلى 680 مليار دولار في السنة المالية 2013- وهو أول عجز يقل عن 1 تريليون دولار منذ عام 2008. وقد هبط العجز كنسبة من الناتج المحلي الاجمالي من 6.8 في المئة إلى 4.1 في المئة في سنة 2012. ويواصل أوباما نيل الاستحسان والفضل في تحقيق أكبر خفض في العجز المالي طوال 60 سنة، وما لا يقوله هو أن عجز 2009– 2012 كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي كان الأعلى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.إن أي خبير ميزانية يتسم بالنزاهة سوف يقول إن الوضع المالي في الولايات المتحدة ليس مستداماً، يوجد جانبان- الإنفاق والدخل- يتباعدان بازدياد بشكل دائم، وكان الاقتصادي هيرب شتاين قال إن الشيء الذي لا يستمر إلى الأبد فإنه سوف يتوقف... لكنه لم يقل متى سيحدث ذلك؟• الدرس الخامس: في ظل الشك يصطف عدم اليقينأصبحت حالة عدم اليقين هي الذريعة الدارجة التي اعتادت المؤسسات ورجال الأعمال استخدامها لتفسير أسباب عدم إقبالها على الاستثمار، وسبب عدم إنفاق المستهلكين، وتبرير تعرض الاقتصاد لموجة تباطؤ. ولجأ صناع السياسة إلى استخدام هذا التبرير أيضاً. وفي أي وقت أو اجتماع يعقده مجلس الاحتياط الفدرالي (المركزي) الأميركي تتوافر حالة عدم يقين تفوق تلك الموجودة في أحد كازينوهات لاس فيغاس.وإذا كانت حالة عدم اليقين هي السبب وراء كون التعافي من ركود 2007- 2009 غير ملفت للأنظار، فإن لدينا القليل فقط من الأمل حيال المستقبل. كما أن العمال في مستوياتهم الأولية ليست لديهم فكرة عمّا إذا كانت شبكة الأمان الحكومية ستستمر في تغطيتهم عندما يصلون إلى سن التقاعد بعد 20 سنة. (كما أن صندوق الضمان الاجتماعي سينضب بحلول عام 2033). ولا يعرف المزارعون ما إذا كان محصول هذا العام سيتلف أو يتضرر بسبب إعصار أم فيضان أم جفاف، فضلاً عن المستثمرين ليس لديهم أدنى فكرة حول ما سيحدث في سوق الأسهم في الأسبوع المقبل.أود أن أعتقد أن حالة عدم اليقين في حد ذاتها تعد تشبيهاً ومرادفاً للشعور بالتشاؤم. ولا شك أن مشاعر الشركات الصغيرة لا تزال عند مستويات الركود بسبب زيادة التكلفة والأنظمة المفروضة من قبل خطة "اوباماكير" للرعاية الصحية... فالشركات الصغيرة واثقة تماماً بأن الوضع ليس جيداً.متى كانت آخر مرة سمعت فيها عن الشكوك وحالات عدم اليقين أثناء فوران سوق الأوراق المالية أو أثناء فقاعة أسعار الأصول؟ يبدو أن الشك يعمل في اتجاه واحد، وأنا أتمنى لكم كلكم الكثير من الشك الإيجابي في سنة 2014.* مؤلفة كتاب «هذا ما قلته»