الحبيب الخطأ

نشر في 05-06-2014
آخر تحديث 05-06-2014 | 00:01
 مسفر الدوسري حبيب يكدّس سحائب الملح في عيوننا، لا يستحق أن نكحّل عيوننا بالسهر لأجله. حبيب يحرث إحدى كفوفنا لزراعة الشوك، لا يستحق أن نمدّ له الأخرى بالغاردينيا، حبيب يشرّد قلوبنا في صحارى التيه، لا يستحق أن نهيئ له قلوبنا وطناً وارفاً، حبيب يمطرنا بالجفاف، لا يستحق أن نسيْل في وهاده مطراً.

حبيب يستنزف أيامنا البيضاء، لا يستحق أن ندّخره لأيامنا السوداء. حبيب لا يبلّل شفاهنا الناشفة بندى البسمة، لا يستحق أن نبلّل أهدابنا لأجله بدمعة الأسى، حبيب لا يحاول صادقاً أن يجعل السماء آمنة من الرصاص في طريق أجنحتنا، والأرض آمنة من الجروح في طريق خطواتنا، لا يستحق أن نكنس عن سمائه غبار العتمة، ولا عن أرضه وحشة الطريق.

هذا أيضاً ينطبق علينا تماماً كما ينطبق على من نحب، كل ما نسعى إليه من الحب في هذه الحياة، أن نحظى بحبيب يجعل من حبنا وسيلة «لمكيجة» وجه حياتنا، وإجراء بعض العمليات التجميلية الصغيرة له إن دعت الضرورة، لا حبيباً يجعل وجه الحياة أكثر بشاعة وقسوة مما هو عليه، نريد من الحب أن يمنحنا حبيباً يجعل من استيقاظنا في صباح يوم جديد أمنية مشتهاة نحلم بها عندما تغرق أنفاسنا في ريش وسائدنا مساءً، لا حبيباً يغرق أنفاسنا بشهيق الدمع. حبيب يجعلنا ننهض من أسرّتنا ممتلئين بالبشائر لنؤدي التزاماتنا اليومية بمتعة، فقط لأن حبه الجميل يتخلل تلك الالتزامات المفروضة علينا ويمنحنا الرضى بها.

نريد حبيباً يذوب قطعة سكّر في فناجين قهوتنا، لا قطرة سمّ. حبيب يكتب مانشيتات الصفحة الأولى بحروف من حنطة في جريدتنا التي نقرأ كل يوم. «العمر مش بعزقه». فلا يجب أن نخيط من أيامه ثوبَ ظلٍّ لحجر،

العمر هدية الله لنا... فلا نبخس هدية الله بحب حبيب يجعل أعمارنا خنجراً في خاصرتنا، حبيب يتفنّن باختيار ثياب الحداد لأفئدتنا، بعدما يبدع في قتل أفراحها، جملة نحن لا نختار من نحب التي توارثناها على عدم صحتها يجب أن تستوقف عقولنا كثيراً، لا يمكن أن نرضى لآدميتنا أن تقع طويلاً في فخ جملة مشبوهة، وحجة تحتاج الى دليل، لا بدّ أن نختار أحبة صالحين لآدميتنا، أولئك الذين أحبّوا أحبة لم يحصنوا آدميتهم ولم يصونوها، ساووا إنسانيتهم بالوحل باختيارهم، ربما لعلة في أنفسهم، الذين يمارسون على ذواتهم «مازوشية» محببة لقلوبهم، استحقوا أحبابا «ساديّين»، كلما وشموا قلوبهم بسوط من الوجع زادوا هياماً بهم، هؤلاء لا يحبون مهما ادّعوا، ومهما زعموا، ومهما شهدوا شهادة زور عن الحب، إنهم فقط يقومون بإرضاء خلل نفسي كامن فيهم، لا علاقة له بالحب.

نعم الحب ضرورة حياتية كبرى، ولكن هذا لا يجعلنا نوطّن قلوبنا لأي حامل لافتة كتب عليها: أحبك، إن قلوبنا غالية علينا، ولكي نثبت ذلك لا بد أن نملأها بالجواهر وليس بأغصان الصبار، تخلصوا سريعا من أحبتكم غير الصالحين، خيرٌ لكم أن تبقوا بلا حبيب، من أن تحبوا حبيباً يجعل حياتكم مأساة كبرى لا تستحق حتى الشفقة! الحب نصير الحياة فلا يعقل أن يكون قبرها.

back to top