فكرت مؤسسة البترول كثيراً في التخلص من مصفاة روتردام، بحجة أنها صغيرة وغير مربحة، لكن هل هذا القرار صائب؟

Ad

هل عرض وزير النفط الكويتي علي العمير بيع مصفاة "روتردام" التابعة لشركة البترول الكويتية العالمية؟ وهل الوقت مناسب للتخلص منها على الرغم من ان موقعها استراتيجي؟ وهل انتفت الجدوى من تطوير المصفاة وباتت عبئا اقتصاديا على كاهل مؤسسة البترول الكويتية بعد تكبد المصفاة خسائر سنوية؟

هذه الاسئلة توجهنا بها الى مجموعة من الخبراء والمحللين النفطيين، وجاءت آراؤهم على النحو التالي:

في البداية، قال المدير السابق لمكتب مؤسسة البترول الكويتية في أوروبا عبدالصمد العوضي ان بيع مصفاة روتردام ليس اقتصاديا وغير منطقي، لانها تتمتع بموقع ممتاز واستراتيجي.

واضاف العوضي ان المؤسسة فكرت قبل 10 سنوات ببيع المصفاة، والسر وراء ذلك هو بيع الشركة بالكامل بدلا من تطويرها وتوسيعها رغم ان استثمارات هذه الشركة بالمليارات وكانت الفكرة من بيع المصفاة تهميش "البترول العالمية" ومن خلال بيع مصفاة روتردام يتم تفكيك الشركة رغم ان اغلب اصول الشركة يعتمد على وجود هذه المصفاة.

واوضح ان المنطق يقول ان من يرغب ببيع الشركة، اما ان يبيعها كما هي او يطورها ويجهزها للبيع باعلى سعر، لكن الكويت تركت الشركة واهملتها وعند الغاء قرار بيع المصفاة تركتها وتم تركيز الجهد والنشاط على الصين وفيتنام.

وقال اذا لم يتم بيع المصفاة فعلى الشركة لتقليل خسائرها ان تحول وحدات مهمة لانتاج الزيوت والشحوم، بالاضافة الى تحويلها الى مخازن للمنتجات النفطية تستعمل لتجارة المؤسسة او لاطراف اخرى.

ودعا العوضي مؤسسة البترول الكويتية الى ان تقوم بدراسة عميقة قبل اتخاذ قرار بيع المصفاة، مضيفا: "لو يرجع الامر الي لما اتخذت هذه الخطوة، لان التفكير في بيعها جنون اقتصادي حيث ان الكويت مقبلة على بناء مصفاة جديدة وهي الزور لانتاج كميات جديدة يمكن ان يتم استغلالها في اوروبا".  

واشار الى انه كانت هناك فرص ذهبية لم تستغلها شركة البترول العالمية لنشاطاتها في الدول الأوروبية، خصوصا خلال السنوات الثلاثين الماضية، فلو دربت شركة البترول العالمية عشرة من الكويتيين كل سنة لتخرج ما بين 150 و200 فني من الطراز الأول "نسبة نجاح التدريب 50/65 في المئة"، وهناك من يقول إن قوانين الدول الأجنبية تعوق عمل الكويتيين، وهذا افتراء وكذب، وذر للرماد في العيون.

عجز المؤسسة

من جانبه، قال الخبير المتخصص في تكرير وتسويق النفط عبدالحميد العوضي ان الاستثمار في المصافي النفطية يعد من المشاريع المفضلة لمن يمتلك النفط الخام، حيث "تحظى مصافينا المحلية بمختلف انواع الدعم من تزويد النفط والغاز والكهرباء والماء بأسعار مدعومة ودون ضرائب على استغلال الارض او غرامات بيئية" مشيرا الى ان هذا الوضع يختلف تماما بالنسبة الى المصافي الخارجية التي تمتلكها مؤسسة البترول الكويتية، فالنفط الخام ينقل من الكويت الى اوروبا وأحيانا يتم شراء نفط غير كويتي من مناطق قريبة كما ان هناك نسبة من الضرائب تتعلق بالبيئة والتلوث وضريبة الدخل فضلا عن وجود رسوم على استغلال الارض.

واوضح العوضي ان الكويت اشترت عام 1984 عدة مصاف اوروبية؛ في ايطاليا اشترت حصة 50 في المئة من مصفاة ميلازو من شركة AGIP وهي تعمل بطاقة تكريرية تبلغ 140 الف برميل يوميا ومصفاة نابولي قدرتها 100 الف برميل يوميا واغلقت عام 1993 وتراجعت المؤسسة عن شراء مصفاة بيرتونيكو.

واشار الى ان الكويت اشترت في الدنمارك مصفاة جلف هافن، وقدرتها 60 الف برميل يوميا وبيعت المصفاة مع مرفأ التصدير التابع لها، كما اشترت في هولندا مصفاة يوروبورت وطاقتها الحالية 88 الف برميل يوميا وهي تدار من شركة البترول العالمية (KPI).

واضاف انه تم نقل المكتب الرئيسي للشركة من لندن الى الكويت عام 1999 بهدف تقليل التكاليف ووضعت مشاريع عديدة تهدف الى خفض التكاليف العالية ولعل ابرزها كان مشروع تحويل ناقلتي نفط عملاقتين هما كاظمة والفنطاس حمولة الاولى 295 الف طن وحمولة الثانية 285 الف طن وذلك لنقل المشتقات البترولية مثل النافثا ووقود الطائرات والديزل بالإضافة الى النفط الخام من الكويت الى المصفاة بمعدل 12 رحلة سنويا ولكن دون جدوى لتعديل منحنى الخسائر.

واشار الى ان دراسة قدمت الى مجلس ادارة المؤسسة عام 2006 تهدف الى التخلص من انشطة الشركة في اوروبا، وقد كلفت تلك الدراسة 3.5 ملايين دولار اميركي، وللأسف الشديد لم تتم الاستفادة من تلك الدراسة علما أن المصفاة يعمل بها 520 موظفا اجنبيا وعدد الكويتيين لا يزيد على 4 موظفين.

وقال ان مصفاة يوروبورت تعرضت عام 2009 لحريقين ووصلت الخسائر الى 3 ملايين دولار، وقد استثمرت مئات الملايين من الدولارات لتحسين اداء المصفاة.

واكد العوضي ان المؤسسة عاجزة من وضع تحليل استراتيجي يساند اتخاذ قرار واضح الى اين تتجه؟ كم حققت مصفاة يوروبورت من ارباح فعلية على رأس المال المستثمر منذ 30 سنة الى الآن رغم الدعم اللامحدود، متسائلا ألا يتطلب الامر تقييم الاداء الحالي والسابق وتقييم التوقعات المستقبلية على ضوء المستجدات في اوروبا من فائض في القدرة التكريرية وارتفاع التكاليف التشغيلية وتزايد الطلب على الوقود الحيوي وإغلاق 10 مصاف خلال 5 سنوات؟

واشار الى ان "هذه المؤشرات تدعونا الى اغلاق المصفاة وعدم الاستمرار في نشاطها وبيعها تجنبا لمزيد من الخسائر خاصة ان الموازنة العامة للدولة ستشهد عجزا في التدفقات المالية عام 2017 وان زيارة وزير النفط مؤخرا الى هولندا ومقابلة مسؤولين حكوميين نأمل ان يتم خلالها شرح الاسباب وتأكيد ان الكويت مستمرة في استثماراتها في هولندا ولكن في نشاط نفطي آخر يحقق الربحية لكلا الطرفين".          

مصفاة صغيرة

من جهته، قال المحلل النفطي المستقل كامل الحرمي ان المؤسسة كانت تفكر باستمرار منذ سنوات في طريقة ما للتخلص من مصفاة "روتردام"، لأنها صغيرة الحجم ولا تلبي الشروط المطلوبة لكي تكون مربحة وتجارية، وبحاجة إلى أموال طائلة لتطويرها وتحديثها كي تكون منافسة، وتحقق العائد المالي المناسب. وهذا يستحيل تحقيقه، الى حد ما، لا في الوقت الراهن ولا مستقبلاً، لصغر حجم المصفاة.

وذكر الحرمي ان الشركات النفطية تكافح وتناضل من أجل تحقيق عوائد مالية مناسبة في قطاع التكرير، والكل يحاول أن يتخلص من مصافيه، مشيرا الى ان الكويت تخلصت وأغلقت حتى الآن 3 من مصافيها في أوروبا. وتعتبر مصفاة روتردام الأصغر حجماً بين المصافي الأوروبية، وتبلغ طاقتها الإنتاجية نحو 75000 برميل في اليوم.

واكد الحرمي ان الوقت الحالي أفضل وقت لبيع مصفاة روتردام، خاصة بعد زيارة وزير النفط لموسكو لإنهاء الأمور ومقابلة الشركات الراغبة في شراء المصفاة، خصوصاً أن روسيا تبحث عن موضع قدم لتكرير نفطها في أكبر مستهلك له في العالم، وإيجاد مصفاة في أوروبا من صلب الاستراتيجية النفطية الروسية، متمنيا من القطاع النفطي الكويتي عدم التراجع ووقف النزيف المستمر والتخلص من جميع التزاماتنا العالمية والبيئية. فقرار بيع المصفاة سليم، والمطلوب عدم التراجع.