يقول الشيخ أحمد تميم مفتي أوكرانيا إن الإسلام في ازدهار مستمر في القارة الأوروبية بشكل عام وأوكرانيا بشكل خاص وقد نجح الدعاة الذين تلقوا التعليم على أيدي علماء الأزهر في التصدي للفكر التكفيري الذي يحاول تكفير المجتمع لتحقيق المصالح السياسية التي يصبو إليها التكفيريون. وعاتب تميم المؤسسة الدينية المصرية وفي شتى أنحاء العالم الإسلامي عدم مساعدة الأقليات المسلمة في الغرب، "الجريدة" التقت تميم واستمعت إليه، والتفاصيل في السطور التالية:

Ad

• بداية يهمنا التعرف إلى فضيلتكم؟

- اسمي أحمد تميم ولدت في لبنان وتجنست بالجنسية الأوكرانية وأعمل اليوم مفتيا لأوكرانيا.

• ماذا عن الخريطة الفكرية لمسلمي أوكرانيا؟

- مسلمو أوكرنيا خليط من دول الاتحاد السوفياتي السابق إضافة إلى بعض الجاليات العربية المسلمة لهذا تختلف القوميات، ولكن الإسلام يجمع الجميع وهم يدينون بالإسلام الوسطي البعيد عن التشدد والتطرف، وإن كنا قد تعرضنا في فترة سابقة لبعض الجماعات ذات التوجه التكفيري، والذين ينتمون فكرياً لجماعة "الإخوان المسلمين" ولكننا نجحنا والحمد لله في مواجهة تلك الأفكار التي حاولوا ترويجها بين مسلمي أوكرانيا تحت ستار تثقيف المجتمع المسلم هناك حيث روجوا للفتاوى التكفيرية، ويكفي أن أعطيك مثلاً بفتوى غريبة روجوا لها وهي إباحة ممارسة اللواط لمن يريد التدريب على تهريب المتفجرات عبر معدته بدعوى أن اللواط يساعد على توسعة المعدة، أباحوه، والعياذ بالله، ولكننا تمكنا من مواجهتهم، ونتمنى أن يدعمنا الأزهر للحفاظ على وسطيتنا واعتدالنا.

والأوكرانيون المسلمون اليوم، توجد نزعة بالنسبة لمسلمي التتر أقرب إلى التصوف منها إلى الإسلام المعتدل، وهناك نزعة "النقشبندية" خاصة بين "تتار قازان"، بينما تتار القِرم يسودهم التصوف كما في تركيا، وهناك ضغوط من طرف تركيا باعتبار أن هناك روابط تاريخية بين تركيا وتتار القِرم حتى في اللغة والعادات والتقاليد، وضغوط من طرف الدولة حتى أنه لا يسمح لبعض الجهات الدعوية بالعمل إلا التي تأتي من طرف الدولة التركية، وليس هناك اتفاق مع الحكومة، ولكن باعتبار أن الدولة لا تمنع الدعوة إلى الله... فهناك أئمة من قبل الدولة لقطع الطريق على العاملين والدعاة الأتراك وحتى العرب.

• هل يمثل المسلمون نسبة مهمة داخل جمهورية أوكرانيا؟

- في البداية لابد من الإشارة إلى أن أوكرانيا هي دولة من الدول التي كانت تشكل ما كان يعرف بالاتحاد السوفياتي، وهي تقع وسط أوروبا وعدد سكانها 63 مليون نسمة يتكونون من خليط من القوميات المختلفة، ويزيد عدد المسلمين في أوكرانيا على مليوني مسلم، في العاصمة كييف وحدها 45 ألف مسلم، وقد حصلت جمهورية أوكرانيا على الاستقلال سنة 1990، وفي سنة 1993 تأسست أول إدارة دينية لمسلمي أوكرانيا، وقد استمر الوجود الإسلامي في هذا البلد نظرا لوجود قوميات مسلمة مثل التتار الذين كانوا يحافظون على هويتهم الإسلامية تحت غطاء الحفاظ على العادات والتقاليد فكانوا يحفظون القرآن ويؤدون واجباتهم الدينية سراً، لكن بعد الاستقلال، وخصوصا بعد أن أصبح للمسلمين إدارة دينية تعمل بقواعد معترف بها من طرف القوانين الأوكرانية عملنا على جمع شمل المسلمين من جميع القوميات واهتممنا بإظهار الشعائر الإسلامية عن طريق فتح المصليات والمقابر الإسلامية.

• مفتي أوكرانيا.. هل هذا منصب رسمي؟

- كما قلت لكم، إن نظام الحكم الأوكراني نظام علماني، ولهذا فحتى بطريرك المسيحيين منصبه ليس رسميا رغم أن المسيحيين هم الأغلبية، ولكن لكل طائفة إدارة خاصة بها ترعى شؤونها وتنسق أمورها مع الحكومة، ولكل طائفة الحق في اختيار رئيسها الديني، والحمد لله فقد تم انتخابي مفتيا لمسلمي أوكرانيا ورئيسا للإدارة الدينية هناك، ويوجد لنا ممثلون في وزارة الدفاع وممثلون في مختلف الوزارات الحكومية لحل المشكلات التي قد تواجه المسلم الأوكراني في النواحي الدينية عند التعامل في الجيش أو ما شابه أما في الأمور الحياتية فالقانون الأوكراني هو الحاكم.

• وماذا عن علاقاتكم بالطوائف الأخرى خاصة الطائفة اليهودية؟

- نحن لا نختلط كثيرا بالطوائف الأخرى، خاصة على المستوى الديني، ولكننا قد نلتقي في المناسبات الرسمية أو في المؤتمرات الدينية التي تتم دعوتنا إليها، لكن بصفة عامة فالعلاقة تتم على المستوى الرسمي ليس أكثر من ذلك، وبالنسبة للجالية اليهودية نحن لا نرتبط معهم بأية علاقات.

• وهل تتلقون تهاني الطوائف الأخرى في الأعياد وتقومون أنتم بالمثل في أعيادهم؟

- لا يحدث ذلك، لأن أعياد كل طائفة قد تمر دون أن تشعر بها الطوائف الأخرى، فالإعلام الأوكراني لا يهتم بالأعياد الدينية، وأكثر ما يهمه هو المناسبات القومية، ولهذا فنحن نحتفل بأعيادنا بمفردنا كمسلمين، وهم يحتفلون بأعيادهم دون تقبل زيارات منا.

• قبل الاستقلال كيف كان المسلمون يعيشون في عهد المد الشيوعي؟

- كانوا يعيشون في ضائقة كبيرة، حيث كان يمنع تداول المصحف أو أية كتب دينية أخرى كما هو الحال في كل دول الاتحاد السوفياتي، ولكن وجود مسلمين أصليين في أغلب المدن الأوكرانية ساهم في الحفاظ على الدين الإسلامي، لأنهم كانوا يجرون عقود النكاح وغيرها سرا، وكانوا يطالبون بمطالب معينة باسم قومياتهم، كأن يطلبون مثلا مقبرة للقومية الفلانية، وهكذا... ويستغلون المناسبات الاجتماعية مثل ذكرى وفاة أحد المسلمين ليقرأوا القرآن، ويمارسون شعائرهم.

• ما هي المصاعب التي تعترض نشر الإسلام في الديار الأوكرانية؟

- إمكانياتنا ضعيفة جداً، ففي البداية كنا نستأجر مكانا معينا ساعة واحدة لأداء صلاة الجمعة، ثم أصبحنا نستأجره لإقامة درس ديني مرة في الأسبوع، وفي البداية كانت السلطات تمنعنا من ذلك، وكنا نصلي صلاة العيد في قاعة رياضية مستأجرة، واستمر الوضع كذلك إلى أن وجدنا ملجأ تحت الأرض، ونحن الآن نقيم فيه منذ عشر سنوات وكان هذا الملجأ هو نقطة انطلاقنا.

• وماذا عن محاولات البعض نشر الفكر التكفيري لديكم في أوكرانيا؟

- للأسف حاول البعض كما قلت نشر المطبوعات التي تحرض على القتل وسفك الدماء باسم الإسلام، وهناك مطبوعات طبعت في الإسكندرية وأرسلت إلى أوكرانيا، وأخرى تنشر وتطبع هناك بكميات هائلة باللغة الروسية واللغة الأوكرانية مثل مؤلفات أبي الأعلى المودودي وسيد قطب، فالبعض، بسبب حب السلطة، فسروا الإسلام بما تهوى أنفسهم، وهذه الأشياء تنعكس سلبيا على الرأي العام نحو الإسلام، ونحن نقوم الآن بإعادة المفاهيم الصحيحة وصياغة المؤلفات المبسطة لأمر الدين والنتيجة ممتازة، فالرأي العام في أوكرانيا أصبح يعي كل هذه المواضيع، فهم يميزون بين الإسلام وبين مدعي التدين، كما أن ممثلي الطوائف صارت هذه الأمور واضحة لهم، والمجتمع الأوكراني متقبل للمفاهيم الوسطية للإسلام.