ستدخل قرارات مجلس المفوضين في اللعبة السياسية لتكون عرضة لتوازناتها بعد تدخل الوزير في أعمالها!

Ad

تعطي الوزير حق فصل كل المفوضين بمن فيهم الرئيس إذا خالفوا أوامره تحت مبررات تطبيق القانون!

بينما تقدم خمسة أعضاء في مجلس الأمة بطلب إجراء تعديلات على قانون هيئة أسواق المال تتضمن تطويراً لها، بحسب ما أسماه مقدمو الاقتراحات لقانون هيئة أسواق المال وللدور الذي تقوم به، فإن حقيقة هذه التعديلات ستنتهي في حال اعتمادها إلى إعلان وفاة أول الأجهزة الرقابية المستقلة في البلاد، بعد أن نجح مقدمو الاقتراح عبر المجلس في تحويل هيئة أسواق المال إلى إدارة حكومية لا تقل شأناً عن الدور الذي كانت تقوم به إدارة البورصة قبل صدور هذا القانون، وستنهي تلك التعديلات الأغراض التي جاءت من أجلها فكرة إصدار قانون هيئة أسواق المال، وستعمل على إعادة فكرة الوصاية الحكومية على جهاز فني أراد له القانون رقم 7 لسنة 2010 أن يتحرر من كل القيود والعوائق التي تعانيها الكثير من الأجهزة الحكومية، نظراً لطبيعته الرقابية والفنية على تنظيم الأسواق المالية.

لا يمكن لأي جهاز رقابي ذي طبيعة فنية أن يعمل بأريحية تامة وصلاحيات منوطة بأدائه إذا ما كانت كل أعماله وقراراته المصيرية، ومنها الرقابية، مرتبطة بموافقة الوزير، لأن الأخير باختصار لا يمارس عملاً فنياً بل يمارس عملاً سياسياً، وعمله السياسي يرتبط غالباً بتوازنات اللعبة السياسية التي ستؤثر كثيراً في قراراته، التي لا يستبعد أن يكون من بينها التدخل في عمل هيئة أسواق المال، وهو الأمر الذي عالجه قانون هيئة أسواق المال رقم 7 لسنة 2010 بأن جعل لوزير التجارة أمر الإشراف فقط وإصدار قرارات بمنح عدد من الموظفين صفة الضبط القضائي، بعد رفع الأسماء من مجلس مفوضي هيئة أسواق المال دون أن يعطيه أية صلاحيات أخرى، ليس بهدف إقصاء الصلاحيات عن الوزير، إنما بهدف إنجاح فكرة الاستقلالية التي تحدث عنها القانون وأوردها بوضوح تام في نص المادة الثانية منه، والتي تنص «تنشأ هيئة عامة مستقلة تتمتع بالشخصية الاعتبارية يشرف عليها وزير التجارة والصناعة تسمى هيئة أسواق المال».

ليس قانون هيئة أسواق المال وحده الذي انفرد بفكرة الاستقلالية التي أرادها المشرع الكويتي، بل ان القانون كرر ذات التوجه في قانون إنشاء هيئة مكافحة الفساد رقم 24 لسنة 2012، وهي تمارس أيضا دوراً رقابياً، فمنح لوزير العدل فقط حق الإشراف بحسب المادة 3 من القانون حفاظاً على فكرة الاستقلالية التي يجب أن تتمتع بها الهيئة، ومن دون تلك الاستقلالية لا يمكن أن تتمتع بنظر المتعاملين معها بالمصداقية والشفافية اللازمتين لإنجاح فكرة الرقابة، وهو ذات الدور الذي من أجله أيضاً منحت الاستقلالية لهيئة أسواق المال، ولو فقدت جزءاً منها، وتوسعت صلاحيات الوزير في إدارة شؤونها ولو بشكل غير مباشر، لفقدت الهيئة مصداقيتها، لأنها ستكون في نظر المتعاملين معها إحدى الإدارات التابعة لوزير التجارة لا أكثر، تأتمر وتنهي بأمره، بل تتجاوز عن المخالفين متى ما طلب منهم ذلك، وهو الأمر الذي سيفقد لهذا الجهاز الدور الذي أراد له المشرع أن يكون، وستمكن تلك التعديلات الغير من التدخل في شؤونه، خصوصا أن عدداً من نواب مجلس الأمة ومن بينهم مقدمو الاقتراحات يملكون العديد من الشركات، وجزء منهم من يتولى العضوية في مجالس الإدارات لشركات تخضع لرقابة هيئة أسواق المال!

تعديلات

وتتركز جملة التعديلات المقدمة في اقتراحات النواب الخمسة لـ37 مقترحاً إلى ست قضايا رئيسية هي، أولا التوسع في صلاحيات وزير التجارة، وإفراغ سلطات وصلاحيات مجلس المفوضين الممنوحة لهم بالقانون وفق المادة الرابعة، وثانياً منح الوزير صلاحيات فصل المفوضين حتى لو لم يكملوا مدتهم لمجرد أنهم لم يستمعوا لأوامره، وثالثاً إنشاء مجلس وصاية داخلي يختاره الوزير يراقب القرارات التي يصدرها مجلس المفوضين، وتكون قرارات مجلس الوصاية الذي أسماه الاقتراح بـ»لجنة مستقلة» ملزمة لمجلس المفوضين، ورابعاً إصدار جملة من الأنطمة المالية داخل السوق، وخامساً التخفيف من حالة الرقابة التي تبديها هيئة أسواق المال، وأخيراً تخفيف العقوبات وإطالة أمد التقاضي على المتقاضين في قانون هيئة أسواق المال في مختلف القضايا.

صلاحيات الوزير

وبالنظر إلى القسم الأول من التعديلات، الذي يهدف إلى توسيع صلاحيات وزير التجارة وإفراغ سلطات وصلاحيات مجلس المفوضين، مما يعدم فكرة الاستقلالية التي أرادها القانون بحسب المادة الثانية منه، وذلك على النحو التالي:

أولاً: طالب الاقتراح بقانون بتعديل المادة الثامنة لتقرر أن يكون رئيس مجلس المفوضين وباقي المفوضين مسؤولين عن إدارة الهيئة امام الوزير ومجلس الوزراء، بعد أن قرر لهم القانون الحالي الاستقلالية الإدارية الكاملة التي تضمن لهم عدم تدخل الوزير في أي من شؤونهم الإدارية، في حين نقل الاقتراح سلطة الوزير من فكرة الإشراف التي تحدث عنها وفق نص المادة 2 من القانون، تحقيقاً لفكرة الاستقلالية إلى فكرة المسؤولية الإدارية، التي تمتد إلى فكرة المحاسبة الإدارية لرئيس وأعضاء مجلس المفوضين من قبل الوزير، وهي الفكرة التي ستجعل الوزير ملتزماً بالتدخل في قرارات الهيئة، حفاظاً على مسؤوليته الإدارية من جهة والسياسية من جهة أخرى، لأنه وفقاً لهذا النص المقترح سيكون مسؤولاً إدارياً وسياسياً عن أعمال إدارة هيئة أسواق المال مهما كانت!

ثانياً: تم استحداث المادة 10 مكرر بالقانون بمنح الوزير صلاحية طلب إنهاء عضوية أي مفوض تكريساً لفكرة التبعية الإدارية التي أرادها الاقتراح، والعمل على استبعاد فكرة إشراف الوزير التي أرادها القانون بنص المادة الثانية منه، وهو الأمر الذي يؤكد أن الهدف من الاقتراحات توسيع صلاحيات الوزير وتجريد مجلس المفوضين منها لا أكثر!

ثالثاً: طالبت الاقتراحات بتعديل المادة 13 من القانون، على أن يلتزم رئيس مجلس المفوضين بتزويد الوزير شهرياً بنسخ من محاضر الاجتماعات الشهر الذي انقضى، وهي فكرة تتناقض مع عمل الهيئة أولاً ومع فكرة إشراف الوزير على الهيئة ثانياً، وكشف سرية أعمال هيئة أسواق المال ثالثاً، وستجعل أعمال الهيئة ومحاضر مجلس مفوضيها عرضة لتتبع الوزير، وربما بتدخله لفرض أسلوب بالتعامل الرقابي في أمر ما بعد الاطلاع على محاضر المجلس، علاوة على أن القانون ذاته يحرم الكشف عن أسرار الهيئة التي قد تكشفها المحاضر، والتي أناطها القانون بمزيد من السرية وعاقب على من ينتهك سريتها، وذلك لأن الاقتراح المقدم يلزم الهيئة بالاجتماع شهرياً لعدة اجتماعات أو اجتماع، حتى يقدم تقريرا شهريا للوزير، أي أنه مطلوب ووفقا للمقترح أن يجتمع المجلس لمدة 12 مرة في السنة كحد أقصى، في حين أن نص المادة 12 من القانون الحالي التي لم يطلب مقدمو الاقتراح تعديلها تنص على أن مجلس المفوضين يجتمع على الأقل ثماني مرات في السنة بناء على دعوة الرئيس أو بناء على طلب اثنين على الأقل.

 وبالتالي ففي حال اعتماد التعديل المطلوب فإن المجلس سيكون ملزماً للاجتماع 12 مرة في السنة أو 8 مرات، لأن كلا النصين لو كتب وان تحقق التعديل سيكونان متوافرين، وهو الأمر الذي سيدخل المجلس في مشكلة حقيقية هو في غنى عنها، لأن الاقتراح يلزمه بتقديم تقرير شهري، وهو أمر تخالفه المادة 12 من القانون، كما أن الاقتراح ينطوي على إلزام مجلس المفوضين بالاجتماع شهرياً جبراً عنه، وهو أمر يخالف فكرة الاستقلالية التي كفلتها المادة (2) من القانون لهيئة أسواق المال، والأمر الآخر أن الاقتراح يهدد فكرة السرية والشفافية التي أرادها القانون لهيئة أسواق المال، إذ إنه يطالب مجلس المفوضين بتزويد الوزير بنسخة من المحاضر، رغم أن أعمالها سرية بحكم المادة 29 من القانون الحالي، فكيف تكون سرية وتقدم للوزير ليطلع عليها هو وإدارة مكتبه بشكل دوري وشهري؟!

وهو الأمر الذي يهدد بذلك فكرة السرية التي أرادها القانون لأعمال الهيئة، علاوة على أن فكرة استقلالية الهيئة لا تبرر تتبع الوزير أعمالها والاطلاع على شؤونها، لكون فكرة الوزير أصلا كما أرادها المشرع هي الإشراف لا أكثر!

رابعاً: أعطت الاقتراحات للوزير فكرة إصدار قرارات وتشكيل لجان من تلقاء نفسه، وأن تكون قرارات تلك اللجان ملزمة لمجلس المفوضين، وهو الأمر الذي يناقض فكرة الاستقلالية، ويقحم الوزير في الشؤون الداخلية للهيئة، وهو ما حرم القانون الحالي القيام به كما بالتعديل المقدم وفق المادة (15).

اقتراحات مقدمة

خامساً: أوردت المذكرة الإيضاحية للاقتراحات المقدمة للنواب بأن نية مقدميه هي إفراغ القانون الحالي من محتواه، وإضعاف صلاحيات مجلس المفوضين حين قررت وفق طلب التعديل للمادة الثامنة من القانون «أن النص الأصلي تضمن إيهاماً واضحاً في المسؤولية الإدارية في مجلس المفوضين، الأمر الذي أشيع معه على أن هناك استقلالية إدارية مطلقة لمجلس المفوضين، وهو ما يخالف مقتضيات المسؤولية الإدارية»، وبالتالي فالهدف من التعديل هو تجريد مجلس المفوضين من صلاحياته، وجعل هيئة سوق المال إحدى الإدارات التابعة للوزير، مما يسمح بالضغط عليه سياسياً لتمرير الرغبات السياسية على حساب الرقابة الفنية التي أرادها القانون لهيئة أسواق المال.

فصل المفوضين

بينما القسم الثاني من التعديلات المقدمة، والذي يهدف إلى منح الوزير صلاحيات بفصل المفوضين حتى لو لم يكملوا مدتهم القانونية لمجرد أنهم لم يستمعوا لأوامره مع الاقتراح لتخفيض مدة عضويتهم من خمس سنوات إلى ثلاث، هو التعديل المخالف للدستور لسببين الأول أن المفوضين يتم تعيينهم بمرسوم أميري فكيف يتم انهاء أعمالهم بقرار وزاري، والثاني أن قرار الفصل يخالف مبدأ الأصل في الإنسان البراءة، وأن الاقتراح ينطوي على تمكين الوزير من فصل الرئيس أو نائبه أو ربما كل المفوضين لمجرد مخالفة أوامره تحت مصطلحات عامة هي كمخالفته للقانون، ومن دون التحقيق معه، وهو ما يخالف مبدأ الأصل في الإنسان البراءة الذي كفله الدستور، فكيف يسمح للوزير بفصل المفوض إذا رفض أوامره أو رغباته، في حين أن العقوبات الإدارية، وإن صحت تبعية الوزير، يجب أن تكون على مخالفات واضحة وصريحة، وبعد تحقيق يتم إجراؤه من العضو المخالف، بل ان تلك العقوبات يجب أن تسير وفق قواعد تدرج العقوبات الإدارية، في حين أن الاقتراح يعطي الوزير حق الطلب من مجلس الوزراء إنهاء أعمال المفوض، أي فصله، ولو لم يكمل مدته لمجرد أن العضو، وبحسب الاقتراح، تعمد مخالفة القانون أو اللوائح أو تبين عدم تحقيق الأهداف المنصوص عليها في هذا القانون، أو ارتكب ممارسات ضارة بالاقتصاد.

 والسؤال الأهم من يقدر أن المخالفة هي ثبوت عدم تحقيق الأهداف المنصوص عليها بالقانون، وهل يحاسب المفوض على أهداف القانون رغم أن تحقيقها من الوظائف المرتبطة بعمل هيئة أسواق المال وليس لها علاقة بعمل المفوض ذاته؟ فالمفوض يسأل عن عمله وأدائه لا عن أهداف الهيئة التي أوردها القانون في مواده، ثم من يقدر ثبوت المفوض بالقيام بأعمال ضارة بالاقتصاد وما معنى الضارة بالاقتصاد أصلاً، فلو قام مجلس المفوضين بوقف التداول بالبورصة مثلا، وهي سلطة منحها القانون للهيئة وفق مبررات الضرورة وحالة الطوارئ فإن القيام بها سيكون عرضة لإنهاء أعماله، لأن الوزير قد يرى أنه عمل ضار بالاقتصاد مثلاً؟ وإن صح ذلك الغرض فلن يتجرأ المجلس من القيام بواجباته الفنية، لأنه سيكون تحت مجهر رقابة الوزير على قراراته، خصوصاً أن سيف الفصل مصلت على رقاب أعضائه!

عبارات فضفاضة

وإزاء ورود تلك العبارات الفضفاضة والعامة والتي لا تصلح كسند إلى إنهاء وفصل عمل المفوض، وكان الأولى الإبقاء على القواعد الواردة بالمادة 10 من القانون بالحالات التي يعتبر بها مقعد المفوض شاغراً، علاوة على أن هذا النص المقترح ينطوي على فكرة إكراه معنوي للمفوضين بالالتزام بمطالب الوزراء المتعاقبين على التجارة، إذا لم يستمعوا لطلباتهم التي غالبا تكون مرتبطة بالهوى السياسي، وهو الأمر الذي سيجعل من العمل الرقابي عرضة للمساومات السياسية، وإلا فسيكون مصير المفوض ولو لم تنته مدته المحددة بالقانون إلى الفصل، والمجيء بمفوضين محسوبين سياسياً للوزير ليعملوا لصالحه ويمرروا ما يريد من قرارات!

كما أن الاقتراح المعروض يتضمن أيضاً تخفيض مدة المفوضين من خمس سنوات إلى ثلاث، وألا يتم التجديد إلا لمدة واحدة وهو قيد يتوجب على المشرع التحوط منه، لأن فكرة الاستقرار والانسجام في المجالس الرقابية هي من أهم العوامل التي تنجحها، وبالتالي فإن تخفيضها أمر غير مبرر، علاوة على أن النص الحالي يسمح بعدم التجديد من قبل مجلس الوزراء، وبالتالي فالاقتراح المعروض بتخفيض الفترة لا يبرره، خصوصاً أن فترة الثلاث سنوات قصيرة جداً في ظل التكلفة التي يبذلها المفوض في سبيل الانضمام إلى مجلس المفوضين، إذ إن القانون يتطلب عليه التجرد من العمل التجاري بشكل تام، علاوة على قيود السرية وإبراء الذمة وغيرهما من الالتزامات التي تفرضها طبيعة العمل.

مجلس وصاية!

 أما ثالث تلك الاقتراحات فهو إنشاء مجلس وصاية داخلي يختاره الوزير على قرارات مجلس المفوضين، ليوجد الاقتراح المعد وفق المادة 15 السلاح الذي سيستخدمه الوزراء المتعاقبون للتجارة  للدخول في خصومة مع مجلس المفوضين والتربص بأعمال الهيئة الرقابية، حيث تنص المادة (15) المقترحة بعد إلغاء الحالية على ما يلي: «تنظم في الهيئة لجنة مستقلة يعين الوزير أعضاءها المختصين في المجالات القانونية والمالية، وتقوم اللجنة بتلقي الشكاوى والتظلمات، ويجوز لكل ذي مصلحة أن يتقدم بالشكوى إليها من أي أخطاء يقوم به أحد الأشخاص المرخص لهم، كما تتلقى التظلمات من القرارات التي تصدرها الهيئة وتكون قراراتها ملزمة لها»، ويلزم النص المقترح مجلس المفوضين العمل بقرارات مجلس الوصاية التي أسماها الاقتراح بـ»اللجنة المستقلة»، لأنها ملزمة لها، وهو الأمر الذي سيدخل حتماً مجلس المفوضين في حرب داخلية مع الوزير من خلال تلك اللجنة التي أفقدت فكرة الاستقلالية التي أرادها القانون لهيئة أسواق المال، وأقحم الوزير في التدخل في تعيين اللجان الخاصة بالرقابة على قراراتها كما يفتح التعديل للوزير إمكانية تشكيل لجان أخرى بحسب ماله من سلطات إدارية وهو ما سيعيق عمل مجلس المفوضين!

أنظمة مالية

ورابع تلك الاقتراحات يهدف إلى إصدار جملة من الأنظمة المالية، ومنها نظام صانع السوق، ونظام الاستحواذ الاختياري، ونظام الاستثمار الجماعي، ونظام الإفصاح، وهي أنظمة كفل القانون الحالي لمجلس المفوضين إصدارها وفق اللائحة التنفيذية وفق التعريفات التي أوردها في المادة الأولى منه، والأهداف التي وضعها في المادة الثالثة للقانون، والاختصاصات التي أناطها للهيئة وفق المادة الرابعة منه، وبالتالي فلا حاجة للنص عليها، خصوصاً أن وضع الأنظمة وفق اللائحة التنفيذية أمر سيجعل من تعديلها مستقبلاً أمراً يسيراً وسهلا بخلاف النص عليها بالقانون، وهو الأمر الذي سيقيد الهيئة في اتخاذه مستقبلاً، مما قد يعطل فكرة الرقابة التي منحها القانون لهذا الكيان الرقابي.

تخفيف الرقابة

بينما خامس تلك الاقتراحات يهدف إلى تخفيف الرقابة على المتداولين في السوق، وهو أمر لا يمكن فهمه في الغاية التي يهدف من ورائها الاقتراح بالتعديل وذلك على النحو التالي:

أولاً: ففي الوقت الذي أراد القانون تنظيم فكرة الرقابة على تداول الأموال في الأسواق المالية كرغبة في ضبط سوق التداول، وإبعاد كل محاولات التلاعب، ومحاربة كل المظاهر المالية الوهمية، فإن الاقتراح المقدم جاء بالتخفيف عن تلك القيود، إذ إن من بين تلك الاقتراحات ما تمت إضافته بالمادة 40 مكرر للقانون ما ينص على الآتي «لا يجوز في العشر دقائق الأخيرة من التداول في بورصة الأوراق المالية إلغاء أي أمر سابق، ويجوز وضع أمر جديد خلال هذه الفترة على ألا يجوز إلغاؤه».

  والواضح من هذه المادة أن الهدف منها ليس رقابيا بل حماية المضاربين بتلك الفترة، رغم أنه بإمكانهم التداول في كل الأوقات المسموحه لذلك، ثم لماذا لا يسمح لهيئة أسواق المال إلغاء تلك الصفقات التي تتم في تلك الفترة، حتى إن كانت تشوبها مخالفات أو مظاهر لخلق مركز مالي زائف؟ وهو ما يتبعه عدد من المضاربين في التداول على الأسهم في آخر الساعات، وهو الأمر الذي يفتح باب التساؤل عن دواعي الاقتراح الذي يسمح بتمرير كل الصفقات التي تتم قبل الإغلاق، والتي ربما تكون مخالفة لأي من النصوص الواردة بالقانون، وهو الأمر الذي يجب التحوط منه!

ثانياً: تنص المادة 34 مكرر، وهي إحدى المواد المضافة بحسب الاقتراحات على أنه «لا يسري أي حظر تقرره تعليمات الهيئة على نقل ملكيات الشركات في مجموعة واحدة إذا كان الغرض إعادة هيكلة تلك المجموعة من دون أن يخل ذلك بحقوق الدائنين»، وهو الاقتراح الذي يعني إبعاد رقابة الهيئة على الشركات التي تدعي وتزعم أنها بمرحلة إعادة هيكلة، رغم أن ذلك أمر يخالف فكرة الرقابة على الشركات، التي يجب أن تتشدد خصوصاً بفترة إعادة الهيكلة لا العكس، للتأكد من سلامة التصرفات، وخشية على أموال المساهمين والدائنين معاً، ثم من يضمن ألا يكون هناك اتفاق بين أكبر المجموعات في تلك الشركات على إطفاء خسائرها من دون اتباع الإجراءات التي رسمها القانون تحت مبرر إعادة الهيكلة؟ إضافة إلى أن مرور الشركة بمرحلة إعادة الهيكلة أمر غير واضح وثابت ومستقر، وقد يكون مبرراً للشركات للهروب من رقابة هيئة أسواق المال من دون ربطها بقيود أو حكم صادر على الأقل من محكمة هيكلة الشركات، أو بتقارير تفتيش من الجهات الرقابية في الدولة وبعد عرضها على مجلس المفوضين.

ثالثاً: من المواد المقترحة تعديل المادة 74 من القانون لتكون فقرتها الأولى على النحو التالي «يلتزم الشخص خلال ثلاثين يوماً من تحوله من غير مسيطر إلى مسيطر عبر حصوله بصورة مباشرة أو غير مباشرة على ملكية 50 في المئة من الأوراق المالية المتداولة لشركة مساهمة مدرجة، بعد أن يبادر بتقديم عرض بالشراء لكل الأسهم المتداولة المتبقية طبقاً للشروط ووفقاً للضوابط التي تحددها اللائحة التنفيذية، في حين أن القانون لم يعرف من المسيطر ومن هو غير المسيطر سوى ما أورده القانون بالتعريفات وفق المادة الأولى منه بتعريف «السيطرة الفعلية»، ولا يعرف إن كان بعبارة المسيطر وغير المسيطر هي المقصودة بالتعريف أم لا، وإن كانت هي المقصودة فكيف يسمح لمن يملك نسبة 50 في المئة التحكم في تعيين أغلبية أعضاء مجلس الإدارة، في حين أن النص السابق ينص على حصول الشخص لملكية تزيد على 30 في المئة، وهو النص الأوقع لفكرة الاستحواذ، ولا تعطيه فكرة التحكم في تعيين أعضاء مجلس الإدارة المرتبطة أصلاً بنظام التصويت في الجمعيات العمومية، علاوة على أن نسبة 30 في المئة الموجودة في القانون الحالي تحافظ على حقوق الأقلية، وهي التي عناها المشرع بكثير من الضمانات، حتى لا تكون ضحية لاستحواذات الأغلبية، وهو الأمر الذي لا يضمنه الاقتراح المقدم بل سيكون مدعاة لعدم احترام حقوق الأقلية.

تخفيف العقوبات

وسادس تلك الاقتراحات يهدف إلى تخفيف العقوبات وإطالة أمد التقاضي، وهو الأمر الذي يناقض فلسفة التقاضي التي أرداها المشرع لفكرة التقاضي أمام محاكم أسواق المال، بهدف عدم إطالة النزاعات القضائية في هذه القضايا التي تتسم بطابع السرعة، وبشأن ما تهدف إليه الاقتراحات بتخفيف العقوبات يرد على النحو التالي:

أولا: فقد تضمن التعديل للفقرة الثانية من المادة 119 عدم تجريم «من يحصل بأي شكل من الأشكال على منفعة أو مصلحة أو مقابل لنفسه أو لغيره مقابل إفشاء السر» فقط، في حين أن النص الحالي الذي يضمن بشكل كامل عدم تجريم هذا النوع من الجرائم والمضر بنزاهة التداول بتجريم «من يثبت حصوله بأي شكل من الأشكال عن منفعة أو مصلحة أو مقابل لنفسه أو لغيره مقابل إفشاء السر أو المعلومة أو الخبر»، وبالتالي فالمقترح يهدف إلى إخراج تجريم الأخبار التي ربما تكون صحافية أو غير صحافية أو المعلومات المتداولة مكتوبة كانت أو شفوية من دائرة التجريم، رغم أنها تقوم مقام ذات الغاية من التجريم وإبعادها عن التجريم، وسيعمل الاقتراح إذا ما أقر على تحايل الكثيرين من «إفشاء السرية» عن طريق الكشف بها بصورة معلومة أو خبر، وهو الأمر الذي سيعيد فوضى التسريبات الصحافية أو المعلومات، والتي حظر القانون الحالي وجودها كضمانة للحد من حالة التواطؤ للخاضعين لتطبيق القانون ومن يحملون أسراراً من الإفشاء بها بأي صورة كانت، وهو ما يتوجب على مجلس الأمة التنبه إليه جيداً.

ثانيا: نصت المادة 123 المقترحة على أن «يعاقب بغرامة لا تقل عن خمسين ألف دينار ولا تجاوز خمسمئة ألف دينار كل من خالف أي نص وارد في الفصل السابع من هذا القانون في شأن الاستحواذ وحماية حقوق الأقلية»، في حين أن النص الحالي الذي يعد الأكثر ضماناً، والذي ينص على «يعاقب بغرامة لا تقل عن خمسة الاف دينار ولا تجاوز مئة ألف أو 20 في المئة من قيمة الأسهم المخالفة وقت وقوع المخالفة أيهما أعلى، كل من خالف أي نص وارد في الفصل السابع من هذا القانون في شأن الاستحواذ وحماية حقوق الأقلية»، فبدلاً من أن يطالب المقترح بتشديد العقوبة على من يخالف القانون حفاظاً على سلامة الاستحواذ واتباع إجراءاته وحقوق الأقلية يقوم بوضع حد أقصى كعقوبة قيمتها 500 ألف دينار، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا إذا ما كانت نسبة الاستحواذ للأسهم المخالفة تزيد على 50 مليون دينار على سبيل المثال، ألا يكون الاستحواذ المخالف مدعاة لقيام الأشخاص للقيام به، لأن العقوبة التي ستشملهم هي دفع مبلغ لن يتجاوز الـ500 ألف دينار، في حين أن النص الحالي يجعل منها 100 ألف أو نسبة 20 في المئة أيهما أعلى، وهو الأمر الذي سيحقق الرادع اللازم، فإن كانت نسبة الاستحواذ مثلاً 10 ملايين ستكون الغرامة 200 ألف، وتزيد مع زيادة نسبة الاستحواذ المخالفة، وهو الأمر الذي سيرهق جيب من يحاول مخالفة الإجراءات بشكل يرتبط بالنسبة.

بينما الأمر الأخير الملاحظ على التعديلات المقترحة هو ما يخص بطلب تعديل المادة 112 بأن يسمح الطعن على الأحكام أمام محكمة التمييز أي تناولها على ثلاث درجات تقاض، بدلاً من القانون الحالي الذي ينهي التقاضي على درجتين، نظرا لطبيعة قضايا أسواق المال، وهو أمر يلائم طبيعة التقاضي بهذا النوع من أنواع التقاضي، والذي دائما يرتبط بسلامة التداول أو حتى ما يخص الطعن على القرارات التي تصدرها هيئة أسواق المال، وبالتالي فإن المطالبة بعدم اعتبار أحكامها باتة إلا بصدور أحكام من محكمة التمييز أمر يتعارض مع طبيعة هذا النوع من الدعاوى، كما أن هذا النوع من القضايا ليس الاول الذي يتداول على درجتي تقاض، فقضايا الإيجارات يتم تداولها على درجتي تقاض، والقضايا التي يقل نصابها عن الـ5000 دينار هي الأخرى يتم تداولها على درجتي تقاض.

وأخيراً فإن إقرار المجلس للتعديلات المقدمة من النواب والمطروحة للنقاش حالياً، يكون بذلك قد بدأ ي تفريغ الجهات الرقابية في الدولة من محتواها بدءاً بقانون هيئة أسواق المال، وغدا بهيئة مكافحة الفساد، ومروراً إلى باقي الجهات الرقابية ليجعل منها أجهزة مرتبكة وهزيلة لا تملك أية صلاحيات أو سلطات، لأن القانون رهن نفاذ سريان قراراتها إلا بموافقة الوزير ذي الهوى السياسي!