"أنا عايز إيه... عايز تفويض... عايزكم تنزلوا تدوني (تمنحوني) تفويض". عبارة من أشهر العبارات التي صكت آذان المصريين، وصدمت عقولهم كثيراً في الآونة الأخيرة.

Ad

من المعروف أن أنظمة الحكم تتوزع ما بين الحكم بالوراثة (الملكية) أو بالانتخاب (الجمهورية)، وفي مصرنا الحبيبة ومنذ أن تولت هذه العِصابة * مقاليد الأمور بعد الانقلاب أبهرت العالم بنظام حكم جديد وهو الحكم بالتفويض.

فلا يوجد ملك ولا أمير يختار ولياً للعهد يتولى الحكم بعده، ولا يوجد انتخاب ديمقراطي يختار الشعب رئيسه من بين عدة أفراد... كل المطلوب أن يطلب رئيس العِصابة التفويض فيخرج ملايين من مناصريه ليمنحوه ما أراد، فيتسلم الحكم ويصبح رئيساً ولا عزاء للدستور، فلتذهب كلها من 23 إلى 71 إلى دستور "العشرة" و"الخمسين" إلى سلة المهملات.

وليتوقف الجميع عن حدوتة قبل النوم "الديمقراطية"، ولا غرابة في ذلك، فمن يستبح الأعراض وينتهك الحرمات ولا يعرف للدماء حرمة يسهل عليه فعل ذلك، ولا يوقفه شيء في مقابل تحقيق أطماعه الشخصية ونزواته الذاتية، ولكن يدور في البال سؤال أو أسئلة:

* التفويض مِمَن؟ هل يطالب مثلاً المعتقلين في السجون والمصابين في المستشفيات والشهداء تحت الأرض أن يعطوه تفويضاً؟ بالتأكيد لا... آه عذراً نسيت أن هناك شعبا آخر (كما يقول الإعلام الانقلابي إنتو شعب وإحنا شعب)، ولكنه أيضاً لا يحتاج إلى تفويض منه، فقد سبق أن قال له هذا الشعب "أنت لا تطلب... أنت تغمز فقط"، وقال له "... فاحكم فأنت الواحد القهار" فإذا لم يكن من هذا ولا ذاك فممن يطلب التفويض؟

* هل هذا التفويض داخلي فقط أم دولي أيضاً؟ بمعنى هل يطلبه من الدول الأخرى والمنظمات الدولية ليكتسب شرعية أمامها أم يكفيه- فخراً وتقديراً لبلده- أن يطلبه من شعبه فقط؟

* هل التفويض عام أم خاص؟ في الشهر العقاري هناك توكيل (تفويض) عام يبيح لحامله فعل أي شيء نيابة عن الموكل (بما في ذلك التعامل مع البنوك والزواج والطلاق) وهناك توكيل (تفويض) خاص بهدف محدد لجهة واحدة، فهل التفويض الذي يطلبه من النوع الأول أم الثاني؟

* هل هناك صيغة محددة للتفويض أم يترك لكل مواطن كتابة ما يشاء؟ فقد قرأنا أن هناك تفويضاً "أنا المواطن المصري الموقع أدناه عضو الجمعية العمومية للشعب..."، وآخر "أنا المصري كريم العنصرين أفوض..."، وثالث "باعتبار الشعب هو مصدر السلطات وإرادته تعلو ولا يعلى عليها أفوض..."، وهل اختلاف صيغ التفويض ينتقص أو يعيب وضعه القانوني؟ وهل هناك وضع قانوني أصلاً لمثل هذا التفويض؟

وأخشى ما أخشاه أن يتحول الحكم بالتفويض من الرئاسة إلى كل المناصب العامة، ويباع التفويض في المكتبات ومحال البقالة، فكما كنا نذهب قديماً لشراء "طابع دمغة" سيذهب أبناؤنا لشراء تفويضات، فيطلب أحدهم من البائع 2 تفويض للرئاسة، وواحد للحكومة، و5 لمجلس الشعب، أو يجلس على القهوة ليشرب شاي بحليب ويطلب من القهوجي أن يحضر له مع طلبه "واحد تفويض للرئاسة، و5 لمجلس الشعب، و2 فردي و3 قائمة"!

رحم الله المتنبي:

وكم ذا بمصر من المضحكات  

                                 ولكنه ضحك كالبكاء

وإلى مقال آخر إن كان للحرية متسع.

*مختار الصحاح: عَصَبة الرجل بنوه وقرابته لأبيه. والعُصبة من الرجال ما بين العشرة إلى الأربعين، والعِصابة بالكسر الجماعة من الناس.